المسألة الثالثة: وهي من نوى من الليل وأغمي عليه قبل طلوع الفجر إلى الليل فهل صومه صحيح
وهذه المسألة من نوع المسائل التي ينحصر عمل المجتهد فيها على تحقيق المناط.
فإن الصيام له ركنان: الأول النية، الثاني الإمساك.
فهل يصدق على المغمى عليه في هذه المسألة أنه حقق ركن الإمساك، أم لا؟.
الظاهر أنه يصدق عليه ذلك، ولنا نظير مجمع عليه، وهو النائم.
ودعوى الفرق غير بينة، فإن المغمى عليه كالنائم والفارق المدعى أن النوم ينتبه منه غير مؤثر؛ لأن أكثر الإغماء ينتبه منه بنوع تنبيه عادي أو طبي. ومنه طويل لا يتنبه معه حتى للأطباء.
ولا يمكن قياسه على المجنون؛ لأن المجنون بكامل قواه سوى ذهاب العقل، وهو مناط التكليف. فمن جن فهو غير مخاطب أصلًا، ولا نية له، ولا تعبد؛ لأنه يأتي بما يناقض العبادة، فإن صلى فلا يتحرز من مبطل وكذلك الصوم.
بخلاف النائم، فإن صومه صحيح بإجماع؛ لأنه نيته صحت قبلا وزوال عقله بالنوم لا يبطلها بإجماع أهل الملة من الصحابة ومن بعدهم؛ لأن النوم من أصل الصحة الطبيعة في الخلق كما أنه لا يزاول أي مبطل من أكل، ولا شرب، ولا جماع.
وأما الإغماء فهو مرض والشريعة تصحح عبادة المريض إن عملها فمن نوى الصيام، ثم أغمي عليه فلا دليل على البطلان البتة؛ لأن ذهاب العقل مؤثر في المجنون.