للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد استدل ابن حزم على مذهبه بما أخرجه مسلم: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﴿أَنّ رَسُولَ اللَّهِ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ. فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ. فَصَامَ النَّاسُ. ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ. حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ. ثُمَّ شَرِبَ. فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ. فَقَالَ: " أُولَئِكَ الْعُصَاةُ. أُولَئِكَ الْعُصَاةُ "(١)

فسماهم العصاة، وهذا دليل على منع الصوم في السفر.

كما استدل بحديث ﴿ليس من البر الصيام في السفر﴾. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ . قَالَ: ﴿كَانَ رَسُولُ اللَّهِ في سفره. فَرَأَى رَجُلًا قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ. وَقَدْ ضلل عليه. فقال: "ماله؟ " قالوا: رجل صائم. فقال رسول اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ تصوموا في السفر"(٢).

وادعى أن هذه الأدلة ناقلة عن الأصل فهي ناسخة.

وجوابه إن كانت دعوى النسخ هي ما حركته أن يلغي تقدير الآية فباطل؛ لأن الانتقال إلى دعوى النسخ دليل على ثبوت التقدير قطعيا في الآية بفعل الصحابة السابق الكثير بين يديه ؛ بل بفعل النبي نفسه؛ لأنه ثبت عنه الصيام في السفر بالأدلة الصحيحة المستفيضة. إذا تبين هذه فدعوى النسخ لا تكون إلا بحجة ولا حجة فيما ادعاه وإنما قال العصاة لمن امتنعوا من الفطر مع أمره به لعلة مواجهة العدو. كما في النص.

وأما حديث ﴿لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ تصوموا في السفر﴾، ففي رجل طاعن في السن أرهقه الصوم في السفر فترتب عليه ضرر بين حتى اجتمعوا عليه وقد ظلل. فيكون الخطاب له ولمن في حالته لا في كل حالة، وإلا لزم أن يقر الصحابة على غير البر.


(١) صحيح مسلم (٢/ ٧٨٥ ت عبد الباقي).
(٢) صحيح مسلم (٢/ ٧٨٦ ت عبد الباقي).

<<  <   >  >>