وكان هذا الاجتهاد في زمن لا يمكن بلوغ الخبر إلى بلد آخر إلا بعد فوات يوم أو أيام، فوجب لكل بلد رؤيتهم.
لأن الشرع لا يكلف إلا بالوسع، وهذا وسعهم، أما في عصرنا فوسعنا معرفة خبر الرؤية في كل الأرض لحظة بلحظة ليلة الرؤية فلا يسع أهل الإسلام إلا العمل بالرؤية.
ولو كان المسلمون اليوم دولة واحدة لكانت الرؤية واحدة، فما هو الذي اختلف سوى تفرق الدول، واعتماد كل بلد رؤيتها وتحريها؛ ودافعه الأول إثبات الاستقلالية قبل إثبات الهلالية، فهو تالٍ لذلك.
وعكس هذه المسألة لو سافر من بلده إلى بلد الرؤية لزمه العمل برؤيتهم لا لأنه صار منهم بل؛ لأن الرؤية عامة لأهل الإسلام.
ولو أن هذا الشخص في بلد لم يروا الهلال عشية التاسع والعشرين من رمضان فسافر بالطائرة إلى بلد ووصل إليهم وهم في عيد فإن كان عيدهم لأنهم رأوا الهلال لزمه تلك الرؤية.
وإن كان عيدهم لأنهم قد أتموا العدة فهذا يحتمل أنهم رأوا الهلال أول الشهر، وأن بلد ذلك الرجل لم يره أول الشهر لغيم ونحوه فيكون قد صام تسعة وعشرين، فعليه أن يعيد معهم وأن يقضي يومًا؛ لأن الرؤية كانت لازمة له ولكل بلد.
وإن كان في بلده عيد فسافر ليلة العيد إلى بلد لم يروا الهلال فإنه لا يصوم معهم؛ لأن أهل ذلك البلد كان عليهم العمل بعموم الرؤية.
الفتوى لهذا الشخص على قول من يرى تعدد الرؤية في زمننا.
فإن كان عاملًا بمذهب من يرى تعدد الرؤية لكل بلد فإن الفتوى تختلف، على هذا الوجه فلهم قولان: فمنهم من قال له حكم بلده التي انتقل منها؛ لأنه التزم حكمها.
ومنهم من قال له حكم البلد التي انتقل إليها؛ لأنه أصبح منهم في الرؤية.