للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان سعد بن أبي وقاص؛ وسعيد بن زيد، قد عهدا أن يحملا من العقيق إلى البقيع مقبرة المدينة فيدفنا بها (١). وذلك - والله أعلم - لفضل علموه هناك؛ قال: فإن فضل المدينة غير منكور ولا مجهول (٢)؛ ولو لم يكن إلاّ مجاورة الصالحين والفضلاء من الشهداء وغيرهم لكفى.

وروي عن كعب الأحبار أنه قال لبعض أهل مصر؛ لما قال له: هل لك من حاجة؟ فقال: نعم؛ جراب من تراب سفح المقطّم؛ يعني: جبل مصر؛ قال:

فقلت له: يرحمك الله؛ وما تريد منه؟ قال: أضعه في قبري؛ فقال له: تقول هذا وأنت بالمدينة، وقد قيل في البقيع ما قيل، قال: إنّا نجد في الكتاب الأول أنه مقدّس ما بين القصير إلى اليحموم.

[فصل]

قال علماؤنا رحمة الله عليهم: البقاع لا تقدّس أحدا ولا تطهّره؛ وإنّما الّذي يقدّسه من وضر الذنوب ودنسها؛ التوبة النصوح، مع الأعمال الصالحة، أما إنه قد يتعلق بالبقعة تقديس ما، وهو إذا عمل العبد فيها عملا صالحا، ضوعف له بشرف البقعة مضاعفة تكفّر سيئاته، وترجح ميزانه؛ وتدخله الجنة؛ وكذلك تقديسه إذا مات على معنى التتبع لصالح العمل؛ لا أنها توجب التقديس ابتداء.

وقد روى مالك؛ عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: «ما أحبّ أن أدفن بالبقيع، لأن أدفن في غيره أحب إليّ». ثم بين العلة، فقال: «مخافة أن تنبش لي عظام رجل صالح؛ أو نجاور فاجرا» (٣). وهذا تستوي فيه سائر البقاع، فدل على أن الدفن بالأرض المقدسة ليس بالمجمع عليه، وقد يستحسن الإنسان أن يدفن بموضع قرابته وإخوانه وجيرانه؛ لا لفضل ولا لدرجة.

[فصل]

إن قال قائل: كيف جاز لموسى أن يقدم على ضرب ملك الموت حتى فقأ عينه، فالجواب من وجوه ستة:

الأول: أنّها كانت عينا متخيّلة، لا حقيقة لها، وهذا القول باطل؛ لأنه يؤدي


(١) أخرجه مالك في «الموطأ» (١٥١/ ٣١/١) - كتاب الجنائز - (١٠) باب ما جاء في دفن الميت.
(٢) انظر في ذلك؛ «الأحاديث الواردة في فضائل المدينة جمعا ودراسة» للدكتور صالح بن حامد بن سعيد الرفاعي، نشر دار الخضيري بالمدينة النبوية.
(٣) أخرجه مالك (١٥١/ ٣٢/١).

<<  <  ج: ص:  >  >>