للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عقلا. قال بعض علمائنا: وليس هذا بأبعد من الذرّ الذي أخرجه الله تعالى من صلب آدم ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى﴾ [الأعراف: ١٧٢].

***

[الفصل الرابع]

فإن قالوا: ما حكم الصغار عندكم؟ قلنا: هم كالبالغين وأن العقل يكمل لهم، ليعرفوا بذلك منزلتهم وسعادتهم، ويلهمون الجواب عما يسألون عنه. وهذا ما تقتضيه ظواهر الأخبار، فقد جاء أن القبر ينضم عليهم كما ينضم على الكبار، وقد تقدّم. وذكر هنّاد بن السري قال: حدّثنا أبو معاوية، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: «إن كان ليصلي على المنفوس ما أن عمل خطيئة قط فيقول: اللهم أجره من عذاب القبر» (١).

[الفصل الخامس]

فإن قالوا: فما تأويلكم في القبر: «حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة» (٢)؟

قلنا: ذلك محمول عندنا على الحقيقة لا على المجاز. وأن القبر يملأ على المؤمن خضرا وهو العشب من النبات، وقد عينه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: هو الريحان، كما في الكافر يفرش له لوحان من نار، وقد تقدم.

وقد حمله بعض علمائنا على المجاز والمراد خفة السؤال على المؤمن، وسهولته عليه وأمنه فيه، وطيب عيشه ووصفه بأنه جنة تشبيها بالجن، والنعيم فيها بالرياض، يقال: فلان في الجنة إذا كان في رغد من العيش وسلامة.

فالمؤمن يكون في قبره في روح وراحة وطيب عيش، وقد رفع الله عنه عينيه الحجاب حتى يرى مد بصره كما في الخبر، وأراد بحفرة النار؛ ضغطة القبر وشدة المسألة والخوف والأهوال التي تكون فيها على الكفرة وبعض أهل الكبائر، والله أعلم. والأول أصح؛ لأن الله سبحانه ورسوله يقص الحق، ولا استحالة في شيء من ذلك.

***


(١) إسناده صحيح.
(٢) أخرجه ابن أبي الدنيا في «القبور» (١٢٢) بإسناد ضعيف جدا، من حديث ابن عمر.
والحديث ضعّفه السخاوي في «المقاصد الحسنة» (٧٥٨) والعراقي في «تخريج الإحياء» (٣٠٤/ ١) وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>