[١٤ - باب ما جاء أن الشيطان يحضر الميت عند موته وجلساؤه في الدنيا وما يخاف من سوء الخاتمة]
روي عن النبي ﷺ أن العبد إذا كان عند الموت قعد عنده شيطانان، فإن الواحد عن يمينه والآخر عن شماله، فالذي عن يمينه على صفة أبيه، يقول له: يا بني إني كنت عليك شفيقا ولك محبّا، ولكن مت على دين النصرانية فهو خير الأديان، والذي على شماله على صفة أمه، تقول له: يا بني إنه كان بطني لك وعاء، وثديي لك سقاء، وفخذي لك وطاء، ولكن مت على دين اليهود وهو خير الأديان (١). ذكره أبو الحسن القابسي في شرح رسالة ابن أبي زيد له، وذكر معناه أبو حامد في كتاب «كشف علوم الآخرة».
وإن عند استقرار النفس في التراقي والارتفاع تعرض عليه الفتن، وذلك أن إبليس قد أنفذ أعوانه إلى هذا الإنسان خاصة، واستعملهم عليه ووكّلهم به، فيأتون المرء وهو على تلك الحال، فيتمثّلون له في صورة من سلف من الأحباب الميتين، الباغين له النصح في دار الدنيا، كالأب والأم والأخ والأخت والصديق الحميم، فيقولون له أنت تموت يا فلان ونحن قد سبقناك في هذا الشأن، فمت يهوديا فهو الدين المقبول عند الله تعالى، فإن انصرف عنهم وأبى، وجاءه آخرون وقالوا له مت نصرانيا فإنه دين المسيح وقد نسخ الله به دين موسى، ويذكرون له عقائد كل ملة، فعند ذلك يزيغ الله من يريد زيغه، وهو معنى قوله تعالى: ﴿رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً﴾ [آل عمران: ٨] أي: لا تزغ قلوبنا عند الموت، وقد هديتنا من قبل هذا زمانا، فإذا أراد الله بعبده هداية وتثبيتا جاءته الرحمة.
وقيل: هو جبريل ﵇ فيطرد عنه الشياطين ويمسح الشحوب عن وجهه فيتبسم الميت لا محالة، وكثير من يرى متبسما في هذا المقام، فرحا بالبشير الذي جاءه برحمة من الله تعالى، فيقول: يا فلان أما تعرفني؟ أنا جبريل، وهؤلاء أعداؤك من الشياطين مت على الملة الحنيفية والشريعة الجليلة. فما شيء أحب إلى
(١) لم يثبت هذا، بل عدّه العلماء أن الاعتقاد به من البدع؛ انظر «أحكام الجنائز» للعلامة الألباني ﵀ ص ٣٠٧ - مكتبة المعارف - و «السنن والمبتدعات في العبادات» لعمرو عبد المنعم سليم ص ١٥٨.