للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أن ما يراه الأنبياء من صور الملائكة لا حقيقة لها، وهذا مذهب السالمية.

الثاني: أنّها كانت عينا معنوية فقأها بالحجة، وهذا مجاز لا حقيقة له.

الثالث: أنّه لم يعرفه، وظنّه رجلا دخل منزله بغير إذنه يريد نفسه، فدافع عنها؛ فلطمه: ففقأ عينه؛ وتجب المدافعة في مثل هذا بكل ممكن، وهذا وجه حسن، لأنه حقيقة في العين والصك؛ قاله الإمام أبو بكر بن خزيمة، إلا أنه اعترض بما في الحديث نفسه؛ وهو أن ملك الموت لما رجع إلى الله تعالى؛ قال: «يا رب أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت» فلو لم يعرفه موسى لما صدر هذا القول من ملك الموت.

الرابع: أن موسى كان سريع الغضب، وسرعة غضبه كانت سببا لصكّه ملك الموت؛ قاله ابن العربي في الأحكام، وهذا فاسد، لأن الأنبياء معصومون أن يقع منهم ابتداء مثل هذا في الرضا والغضب.

الخامس: ما قاله ابن مهدي : أن عينه المستعارة ذهبت لأجل أنه جعل له أن يتصور بما شاء، فكأن موسى لطمه وهو متصور بصورة غيره بدلالة أنه رأى بعد ذلك معه عينه.

السادس: وهو أصحها - إن شاء الله - وذلك أن موسى كان عنده ما أخبر نبينا من أن الله تعالى لا يقبض روحه حتى يخيّره - خرجه البخاري وغيره - فلما جاءه ملك الموت على غير الوجه الذي أعلم بادر بشهامته وقوة نفسه إلى أدبه، فلطمه ففقئت عينه، امتحانا لملك الموت، إذ لم يصرح له بالتخيير، ومما يدل على صحة هذا؛ أنه لما رجع إليه ملك الموت فخيره بين الحياة والموت، اختار الموت واستسلم، والله بغيبه أعلم وأحكم. ذكره ابن العربي في قبسه بمعناه. والحمد لله.

وقد ذكر الترمذي الحكيم أبو عبد الله في «نوادر الأصول» حديث أبي هريرة عن رسول الله قال: «كان ملك الموت يأتي الناس عيانا حتى أتى موسى فلطمه ففقأ عينه» الحديث بمعناه (١). وفي آخره: «فكان يأتي الناس بعد ذلك في خفية».

***


(١) أخرجه أحمد (٢/ ٥٣٣) بإسناد صحيح على شرط مسلم، كما قال الشيخ الألباني في تحقيقه على كتاب «السنة» لابن أبي عاصم ص ٢٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>