للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والساعة عند ذلك منزلة الحامل المقرب تتوقع ولادتها. وفي الخبر: «استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يرفع فقد هدم مرتين ويرفع في الثالثة».

قال المؤلف وقيل: إن خرابه يكون بعد رفع القرآن من صدور الناس ومن المصاحف، وذلك بعد موت عيسى ، وهو الصحيح في ذلك، على ما يأتي بيانه.

[فصل]

ثبت في الصحيح الدعاء للمدينة والحث على سكناها، فقال رسول الله :

«يأتي على الناس زمن يدعو الرجل ابن عمه وقريبه: هلم إلى الرخاء، هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذي نفسي بيده؛ لا يخرج أحد منهم رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيرا منه، إلا أن المدينة كالكير تخرج الخبث، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد» (١). رواه أبو هريرة، وخرّجه مسلم.

خرج عن سعيد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله : «من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء» (٢). ونحوه عن أبي هريرة .

ومثل هذا كثير وهو خلاف ما تقدم، وإذا كان هذا فظاهره التعارض وليس كذلك، فإن الحض على سكناها ربما كان عند فتح الأمصار ووجود الخيرات بها، كما جاء في حديث سفيان بن أبي زهير. قال: سمعت رسول الله يقول: «تفتح اليمن فيأتي قوم يعيشون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح الشام فيأتي قوم يعيشون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح العراق فيأتي قوم يعيشون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعملون» (٣) رواه الأئمة واللفظ لمسلم. فحض على سكناها حين أخبر بانتقال الناس عنها عند فتح الأمصار لأنها مستقر الوحي، وفيها مجاورته، ففي حياته صحبته ورؤية وجهه الكريم، وبعد وفاته مجاورة جسده الشريف، ومشاهدة آثاره العظيمة. ولهذا قال: «لا يصبر أحد على لأوائها وشدّتها إلا كنت شفيعا أو شهيدا له يوم القيامة» (٤). وقال: «من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن مات بها» (٥) ثم إذا تغيرت الأحوال واعتورتها الفتن والأهوال كان الخروج منها غير قادح، والانتقال منها حسنا غير قادح.


(١) أخرجه مسلم (١٣٨١).
(٢) أخرجه مسلم (١٣٨٧).
(٣) أخرجه البخاري (١٨٧٥) ومسلم (١٣٨٨).
(٤) أخرجه مسلم (١٣٧٨).
(٥) أخرجه أحمد (٢/ ٧٤) والترمذي (٣٩١٧)، وصححه الألباني.

<<  <  ج: ص:  >  >>