وقتلوا من فيها إلى أن تركوها خالية يبابا، ثم أوغلوا إلى أن ملكوا جميع الشام في مدة يسيرة من الأيام، وفلقوا بسيوفهم الرؤوس وإلهام، ودخل رعبهم الديار المصرية، ولم يبق إلا اللحوق بالدار الأخروية، فخرج إليهم من مصر الملك المظفر الملقب بقطز ﵁ بجميع من معه من المعسكر، وقد بلغت الحناجر القلوب، والأنفس بعزيمة صادقة ونية خالصة إلى أن التقى بعين جالوت، فكان له عليهم من النصر والظفر، كما كان لطالوت، فقتل منهم جمع كثير وعدد غزير، وانجلوا عن الشام من ساعتهم، ورجع جميعه كما كان إلى الإسلام، وعبروا الفرات منهزمين ورأوا ما لم يشاهدوه منذ زمان ولا حين، وراحوا خائبين خاسرين، مدحورين أذلاء صاغرين.
***
[٢٥٠ - باب منه وما جاء في ذكر البصرة والأيلة وبغداد والإسكندرية]
(أبو داود الطيالسي) قال: حدثنا الحشرج بن نباتة الكوفي، حدثنا سعيد ابن جهمان، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله ﷺ:
«لتنزلن طائفة من أمتي أرضا يقال لها البصرة، ويكثر بها عددهم ونحلهم، ثم يجيء قوم من بني قنطوراء، عراض الوجوه صغار الأعين، حتى ينزلوا على جسر لهم، يقال له:
دجلة، فيتفرق المسلمون ثلاث فرق، أما فرقة فتأخذ بأذناب الإبل فتلحق البادية فهلكت، وأما فرقة فتأخذ على أنفسها فكفرت، وهذه وتلك سواء، وأما فرقة فيجعلون عيالاتهم خلف ظهورهم ويقاتلون فقتلاهم شهداء، ويفتح الله على بقيتهم» (١).
خرّجه أبو داود السختياني في سننه بمعناه، فقال: حدثنا محمد بن يحيى بن فارض، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثني سعيد بن جهمان حدثنا مسلم بن أبي بكرة، قال: سمعت أبي يحدّث أن رسول الله ﷺ قال: «ينزل ناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة عند نهر يقال له: دجلة، يكون عليه جسر يكثر أهلها، وتكون من أمصار المهاجرين». قال ابن يحيى - وهو محمد -: قال معمر:
«ويكون من أمصار المسلمين، فإذا كان آخر الزمان جاء بنو قنطوراء عراض الوجوه صغار