للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

قلت: اعلم رحمك الله أن هذا الباب لا يعارض ما تقدّم من الأبواب، بل يخصّصها ويبيّن من لا يسأل في قبره ولا يفتن فيه، ممن يجري عليه السؤال، ويقاسي تلك الأهوال، وهذا كلّه ليس فيه مدخل للقياس، ولا مجال للنظر فيه، وإنما فيه التسليم والانقياد لقول الصادق المرسل إلى العباد .

وقد روى ابن ماجه في «سننه» عن جابر عن النبي قال: «إذا دخل الميت في قبره مثّلت له الشمس عند غروبها فيجلس فيمسح عينيه ويقول: دعوني أصلي» (١).

ولعل هذا ممن وقي فتنة القبر، فلا تعارض - والحمد لله.

[فصل]

قوله في الشهيد: «كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة» معناه: أنه لو كان في هؤلاء المقتولين نفاق كان إذا التقى الزحفان، وبرقت السيوف فرّوا، لأن من شأن المنافق، الفرار والروغان عند ذلك، ومن شأن المؤمن البذل والتسليم لله نفسا، وهيجان حمية الله، والتعصب له، لإعلاء كلمته. فهذا قد أظهر صدق ما في ضميره، حيث برز للحرب والقتل، فلماذا يعاد عليه السؤال في القبر؟ قاله الترمذي الحكيم.

قلت: وإذا كان الشهيد لا يفتن، فالصدّيق أجلّ خطرا وأعظم أجرا فهو أحرى أن لا يفتن، لأنه المقدم ذكره في التنزيل على الشهداء في قوله تعالى:

﴿فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ﴾ [النساء: ٦٩] وقد جاء في المرابط الذي هو أقل مرتبة من الشهيد أنه لا يفتن، فكيف بمن هو أعلى مرتبة منه ومن الشهيد؟ - والله أعلم فتأمله.

[فصل]

قوله : «من مات مريضا مات شهيدا» عام في جميع الأمراض لكن قيده قوله في الحديث الآخر: «من يقتله بطنه» وفيه قولان:

أحدهما: أنه الذي يصيبه الذّرب وهو الإسهال، تقول العرب أخذه البطن إذا أصابه الداء، وذرب الجرح إذا لم يقبل الدواء، وذربت معدته فسدت (٢).

الثاني: أنه الاستسقاء، وهو أظهر القولين فيه، لأن العرب تنسب موته إلى


(١) أخرجه ابن ماجه (٤٢٧٢) وحسّنه الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (٣٤٤٧).
(٢) انظر «لسان العرب» (٥/ ٣١ - ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>