للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يموت فيها ولا يحيا. وقد وعدم الله عذابا أليما، فقال ﷿: ﴿كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ﴾ [النساء: ٥٦]. وأجمع أهل السنة أيضا على أنه لا يبقى فيها مؤمن، ولا يخلد إلا كافر جاحد، فاعلم.

قلت: وقد زلّ هنا بعض من ينتمي إلى العلم والعلماء، فقال: إنه يخرج من النار كل كافر ومبطل وجاحد ويدخل الجنة، فإنه جائز في العقل أن تنقطع صفة الغضب، فيعكس عليه فيقال: وكذلك جائز في العقل أن تنقطع صفة الرحمة فيلزم عليه أن يدخل الأنبياء والأولياء النار يعذّبون فيها، وهذا فساد مردود بوعده الحق وقوله الصدق، قال الله تعالى في حق أهل الجنان: ﴿عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨] أي: غير مقطوع، وقال: ﴿وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ﴾ [الحجر: ٤٨] وقال: ﴿لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [فصلت: ٨] وقال: ﴿لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خالِدِينَ فِيها أَبَداً﴾ [التوبة: ٢١، ٢٢] وقال في حق الكافرين: ﴿وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ﴾ [الأعراف: ٤٠] وقال:

﴿فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ [الجاثية: ٣٥] وهذا واضح، وبالجملة فلا مدخل للمعقول فيما اقتطع أصله الإجماع والرسول، ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النور: ٤٠].

***

١٧٣ - باب ما جاء في الاستهزاء بأهل النار وبيان قوله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾

ذكر ابن المبارك قال: أخبرنا الكلبي، عن أبي صالح في قوله تعالى: ﴿اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥] قال: يقال لأهل النار وهم في النار: اخرجوا، فتفتح لهم أبواب النار؛ فإذا انتهوا إلى أبوابها أغلقت دونهم، فذلك قوله ﷿: ﴿اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ ويضحك منهم المؤمنون حين غلقت دونهم، فذلك قوله ﷿: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المطففين: ٣٤ - ٣٦].

قال ابن المبارك: وأخبرنا محمد بن بشار، عن قتادة في قوله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفّارِ يَضْحَكُونَ﴾ قال: ذكر لنا أن كعبا كان يقول: إن بين الجنة والنار كوى، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدوّ له في الدنيا اطّلع من بعض الكوى، قال

<<  <  ج: ص:  >  >>