سوى الشهادة التي هي شهادة الحق، التي هي الإيمان بالله تعالى، كما قرّرناه، فشفاعة النبيّ ﷺ والملائكة والنبيين والمؤمنين لمن كان له عمل زائد على مجرد التصديق، ومن لم يكن معه من الإيمان خير كان من الذين يتفضّل الله عليهم فيخرجهم من النار فضلا وكرما، وعدا منه حقا، وكلمة صدقا. ﴿إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ﴾ [النساء: ٤٨] فسبحان الرؤوف بعباده الموفي بعهده.
[فصل]
قلت: جاء في حديث أبي سعيد الخدري قال: «فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتيم». وفي حديث أبي هريرة ﵁:«يكتب على جباههم عتقاء الرحمن»، وهذا تعارض.
ووجه الجمع بين الحديثين أن يكون بعضهم سيماهم في وجوههم، وبعضهم سيماهم في رقابهم، وقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري وفيه بعد إخراج الشافعين، ثم يقول ﵎:«أنا الله أخرج بعلمي ورحمتي، فيخرج أضعاف ما خرجوا وأضعافهم، ويكتب في رقابهم عتقاء الله ﷿، فيدخلون الجنة، فيسمون فيها بالجهنميين».
قلت: وقد يعبّر بالرقبة عن جملة الشخص، قال الله تعالى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [النساء: ٩٢]، وقال ﵇:«ولم ينس حقّ الله في رقابها ولا ظهورها». وقد تعبر العرب بالرقاب عن جملة المال، قال الشاعر:
غمر الرداء إذا تبسّم ضاحكا … علقت لضحكته رقاب المال
فيحتمل أن يكون المعنى في حديث أبي سعيد وجابر ﵄:
فيخرجون مثل اللؤلؤ يعرف أهل الجنة أشخاصهم بالخواتيم المكتوبة على جباههم، كما في حديث أبي هريرة ﵁، ولا تعارض على هذا، والله أعلم.
[فصل]
إن قال قائل: لم سألوا محو ذلك الاسم عنهم وهو اسم شريف، لأنه سبحانه أضافه إليه كما أضاف الأسماء الشريفة، فقال: نبيي وبيتي وعرشي وملائكتي، وقد جاء في الخبر: أن المتحابين في الله مكتوب على جباههم: هؤلاء المتحابون في الله، ولم يسألوا محوه؟
قيل: إنما سألوا محو ذلك بخلاف المتحابين في الله تعالى؛ لأنهم أنفوا أن ينسبوا إلى جهنم التي هي دار الأعداء، واستحيوا من إخوانهم لأجل ذلك، فلما منّ عليهم بدخول الجنة أرادوا كمال الامتنان بزوال هذه النسبة عنهم. وقد روي