للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى ينجّى، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا، ممن أراد الله أن يرحمه ممن يقول: لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار بأثر السجود، تأكل النار بن آدم إلا أثر السجود، وحرّم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصبّ عليهم ماء الحياة فينبتون منه كما نبتت الحبة في حميل السيل» وذكر الحديث (١).

وخرّج عن جابر قال: قال رسول الله : «إن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارت وجوههم حتى يدخلوا الجنة» (٢).

[فصل]

هذا الحديث أدلّ دليل على أن أهل الكبائر من أهل التوحيد لا تسودّ لهم وجوه، ولا تزرقّ لهم أعين، ولا يغلّون، بخلاف الكفّار، وقد جاء هذا المعنى منصوصا في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : «إنما الشفاعة يوم القيامة لمن عمل الكبائر من أمتي ثم ماتوا عليها، فهم في الباب الأول من جهنم لا تسودّ وجوههم، ولا تزرقّ أعينهم، ولا يغلّون بالأغلال، ولا يقرنون بالشياطين، ولا يضربون بالمقامع ولا يطرحون في الإدراك، ومنهم من يمكث فيها ساعة ثم يخرج، ومنهم من يمكث فيها يوما ثم يخرج، ومنهم من يمكث فيها شهرا ثم يخرج، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج، وأكثرها مكثا فيها مثل الدنيا منذ خلقت إلى يوم أفنيت، وذلك سبعة آلاف سنة» الحديث بطوله وسيأتي تمامه - إن شاء الله تعالى - خرّجه الترمذي في «نوادر الأصول».

وقال أبو حامد في كتاب «كشف علوم الآخرة»: إنه يؤتى بأهل الكبائر من أمة محمد شيوخا وعجائز وكهولا ونساء وشبابا، فإذا نظر إليهم مالك خازن النار، قال من أنتم معاشر الأشقياء ما لي أرى أيديكم لا تغل، ولم توضع عليكم الأغلال والسلاسل ولم تسود وجوهكم وما ورد عليّ أحسن منكم؟ فيقولون: يا مالك نحن أشقياء أمة محمد دعنا نبكي على ذنوبنا. فيقول لهم: ابكوا فلن ينفعكم البكاء.

فكم من شيخ وضع يده على لحيته ويقول: وا شيبتاه وا طول حسرتاه وا ضعف قوتاه، وكم من كهل ينادي وا مصيبتاه وا طول مقاماه. وكم من شاب ينادي وا أسفاه شباباه على تغيير حسناه، وكم من امرأة قد قبضت على ناصيتها وشعرها وهي تنادي وا سوأتاه وا هتك أستارها، فيبكون ألف عام، فإذا النداء من قبل الله: يا مالك أدخلهم النار في أول باب منها، فإذا همت النار أن تأخذهم فيقولون بجمعهم: لا إله إلا الله فتنفر عنهم النار خمسمائة عام، ثم يأخذون في البكاء فتشتد أصواتهم، وإذا النداء من


(١) تقدّم تخريجه.
(٢) أخرجه مسلم (١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>