الحياة إلى الموتى، ولا يعرف قدر الأغنياء إلا الفقراء، ولا يعرف قدر الصحة إلا أهل البلاء والسقم، ولا يعرف قدر الشباب إلا الشيوخ. وفي نسخة: ولا يعرف قدر النعيم إلا أهل الجحيم. ومن الناس من يبقى على قدميه وعلى طرف بنانه، ونوره يطفأ تارة ويشتعل أخرى، وإنما هم عند البعث على قدر إيمانهم. وقد مضى في باب: يبعث كل عبد على ما مات عليه ما فيه كفاية - والله أعلم والحمد لله.
***
[٨٠ - باب الجمع بين آيات وردت في الكتاب في الحشر ظاهرها التعارض]
٩٧ - ] وفي آية ثالثة أنهم يقولون: ﴿يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا﴾ [يس: ٥٢] وهذا كلام وهو مضاد للبكم، والتعارف تخاطب، وهو مضاد للصمم والبكم معا، وقال تعالى: ﴿فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: ٦] والسؤال لا يكون إلا بإسماع، وإلا لناطق يتسع للجواب، وقال: ﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً﴾ [طه: ٢٠] وقال: ﴿فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ [يس: ٣٦] وقال: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾ [المعارج: ٤٣] والنسلان والإسراع مخالفان للحشر على الوجوه.
والجواب: لمن سأل عن هذا الباب، أن يقال له: إن الناس إذا أحيوا وبعثوا من قبورهم فليست حالهم حالة واحدة، ولا موقفهم ولا مقامهم واحدا، ولكن لهم مواقف وأحوال، واختلفت الأخبار عنهم لاختلاف مواقفهم وأحوالهم، وجملة ذلك أنها خمسة أحوال: أولها: حال البعث من القبور. والثانية: حال السّوق إلى موضع الحساب. والثالثة: حال المحاسبة، والرابعة: حال السوق إلى دار الجزاء.
والخامسة: حال مقامهم في الدار التي يستقرون فيها.
فأما حال البعث من القبور؛ فإن الكفار يكونون كاملي الحواس والجوارح، لقول الله تعالى: ﴿يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾ [يونس: ٤٥] وقوله: ﴿يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ عَشْراً﴾ [طه: ١٠٣] وقوله: ﴿فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ﴾ [الزمر: ٦٨] وقوله: ﴿قالَ كَمْ