من كان قبل ذلك محسنا فإنه يجري عليه ما كان عليه قبل ذلك اليوم، فذلك قوله ﵎: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً﴾ [الأنعام: ١٥٨]».
ثم إن الشمس والقمر يكسبان بعد ذلك الضوء والنور ثم يطلعان على الناس ويغربان، كما كان قبل ذلك يطلعان ويغربان. وذكر الميانشي: وقال عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ: «ويبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة».
[فصل]
قال العلماء: وإنما لا ينفع نفسا إيمانها عند طلوعها من مغربها؛ لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس وتفتر كل قوة من قوى البدن، فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم وبطلانها من أبدانهم، فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته كما لا تقبل توبة من حضره الموت.
قال ﷺ:«إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»(١). أي: تبلغ روحه رأس حلقه، وذلك وقت المعاينة الذي يرى فيه مقعده من الجنة ومقعده من النار، فالمشاهد لطلوع الشمس من مغربها مثله.
وعلى هذا ينبغي أن تكون توبة كل من شاهد ذلك أو كان كالمشاهد له مردودة ما عاش، لأن علمه بالله تعالى وبنبيه ﷺ وبوعده قد صار ضرورة، فإن امتدت أيام الدنيا إلى أن ينسى الناس من هذا الأمر العظيم ما كان ولا يتحدثون عنه إلا قليلا، فيصير الخبر عنه خاصّا وينقطع التواتر عنه، فمن أسلم في ذلك الوقت أو تاب قبل منه، والله أعلم.
وقد قيل: إن الحكمة في طلوع الشمس من مغربها أن إبراهيم ﵇ قال لنمرود: ﴿فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ [البقرة: ٢٥٨] وإن الملحدين والمنجمين عن آخرهم ينكرون ذلك ويقولون هو غير كائن، فيطلعها الله تعالى يوما من المغرب ليرى المنكرين لذلك قدرته من أن الشمس في قدرته، إن شاء أطلعها من المشرق وإن شاء أطلعها من المغرب، وعلى هذا يحتمل أن يكون رد التوبة والإيمان على من آمن وتاب من المنكرين لذلك المكذبين لخبر النبي ﷺ، فأما المصدق فإنه تقبل توبته وينفعه إيمانه قبل ذلك، والله أعلم.
(١) أخرجه أحمد (٢/ ١٣٢) والترمذي (٣٥٣٧) وابن ماجه (٤٢٥٣)، وحسن الألباني.