للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يده اليمنى، وملك يجذبها من يده اليسرى، والنفس تنسلّ انسلال القطرة من السقاء، وهم يجذبونها من أطراف البنان ورؤوس الأصابع، والكافر تنسل روحه كالسفود من الصوف المبتل. ذكره أبو حامد في «كشف علوم الآخرة».

فمثّل نفسك يا مغرور وقد حلّت بك السكرات، ونزل بك الأنين والغمرات، فمن قائل يقول: إن فلانا قد أوصى، وماله قد أحصى. ومن قائل يقول: إن فلانا ثقل لسانه، فلا يعرف جيرانه، ولا يكلم إخوانه، فكأني أنظر إليك تسمع الخطاب، ولا تقدر على رد الجواب، ثم تبكي ابنتك وهي كالأسيرة، وتتضرع وتقول: حبيبي أبي من ليتمي من بعدك؟ ومن لحاجتي؟ وأنت والله تسمع الكلام ولا تقدر على ردّ الجواب.

وأنشدوا:

وأقبلت الصغرى تمرّغ خدّها … على وجنتي حينا وحينا على صدري

وتخمش خدّيها وتبكي بحرقة … تنادي: «أبي إني غلبت على الصبر»

حبيبي أبي «من لليتامى تركتهم … كأفراخ زغب في بعيد من الوكر؟»

فخيّل لنفسك يا ابن آدم إذا أخذت من فراشك، إلى لوح مغتسلك فغسلك الغاسل، وألبست الأكفان، وأوحش منك الأهل والجيران، وبكت عليك الأصحاب والإخوان، وقال الغاسل: أين زوجة فلان تحالله؟ وأين اليتامى ترككم أبوكم فما ترونه بعد هذا اليوم أبدا، وأنشدوا:

ألا أيها المغرور ما لك تلعب … تؤمل آمالا وموتك أقرب

وتعلم أن الحرص بحر مبعد … سفينته الدنيا فإياك تعطب

وتعلم أن الموت ينقضّ مسرعا … عليك يقينا طعمه ليس يعذب

كأنك توصي واليتامى تراهم … وأمّهم الثكلى تنوح وتندب

تغصّ بحزن ثم تلطم وجهها … يراها رجال بعد ما هي تحجب

وأقبل بالأكفان نحوك قاصد … وحثى عليك الترب والعين تسكب

[فصل]

قول عائشة : «كانت بين يديه ركوة أو علبة»، العلبة: قدح من خشب ضخم يحلب فيه، قاله ابن فارس في «المجمل» (١). وقال الجوهري في


(١) انظر «مجمل اللغة» لابن فارس (٣/ ٦٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>