للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً﴾ [الفرقان: ١٢] أي: تعظيما لغيظها وحنقها، يقول الله تعالى:

﴿تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ﴾ [الملك: ٨] أي: تكاد تنشق نصفين من شدة غيظها، فيقوم رسول الله بأمر الله تعالى، ويأخذ بخطامها ويقول: ارجعي مدحورة مدحورة إلى خلقك حتى يأتيك أهلك أفواجا، فتقول: خلّ سبيلي فإنك يا محمد حرام عليّ، فينادي مناد من سرادقات العرش: اسمعي منه وأطيعي له، ثم تجذب وتجعل عن شمال العرش، ويتحدث أهل الموقف بجذبها فيخفّ وجلهم، وهو قوله تعالى: ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧] وهناك تنصب الموازين، على ما تقدّم.

[فصل]

هذا يبيّن لك ما قلناه أن جهنم اسم علم لجميع النار، ومعنى «يؤتى بها» يجاء بها من المحل الذي خلقها الله تعالى فيه، فتدار بأرض المحشر حتى لا يبقى للجنة طريق إلا الصراط كما تقدم. والزمام: ما يزمّ به الشيء، أي: يشدّ ويربط به، وهذه الأزمّة التي تساق بها جهنم تمنع من خروجها على أرض المحشر، فلا يخرج منها إلا الأعناق التي أمرت بأخذ من شاء الله بأخذه على ما تقدم ويأتي، وملائكتها كما وصفهم الله غلاظ شداد.

وقد ذكر ابن وهب، حدّثنا عبد الرحمن بن زيد قال: قال رسول الله في خزنة جهنم: «ما بين منكبي أحدهم كما بين المشرق والمغرب».

وقال ابن عباس: «ما بين منكبي الواحد منهم مسيرة سنة، وقوة الواحدة منهم أن يضرب بالمقمعة فيدفع بتلك الضربة سبعين ألف إنسان في قعر جهنم».

وأما قوله تعالى: ﴿عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ [المدثر: ٣٠] فالمراد رؤساؤهم على ما يأتي، وأما جملتهم فالعبارة عنهم كما قال تعالى: ﴿وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ﴾ [المدثر: ٣١].

[فصل]

قال العلماء: إنما خصّ النبي بردها وقمعها وكفّها عن أهل المحشر دون غيره من الأنبياء صلوات الله عليهم، لأنه رآها في مسراه، وعرضت عليه في صلاته، حسب ما ثبت في الصحيح، قال: وفي ذلك فوائد ثمان:

الأولى: أن الكفار لما كان يستهزءون به ويكذبونه في قوله، ويؤذونه أشد الأذى، أراه الله تعالى النار التي أعدها للمستخفّين به وبأمره، تطييبا لقلبه وتسكينا لفؤاده.

<<  <  ج: ص:  >  >>