للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: لأن ملائكة الله (١) تشهده». وقيل: سمّي شهيدا؛ لأن أرواحهم أحضرت دار السلام، لأنهم ﴿أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩] وأرواح غيرهم لا تصل إلى الجنة. فالشهيد بمعنى الشاهد؛ أي: الحاضر للجنة، وقيل: سمّي بذلك؛ لسقوطه بالأرض، والأرض الشاهدة، وقيل: سمّي بذلك، لشهادته على نفسه لله ﷿ حين لزمه الوفاء بالبيعة التي بايعه في قوله الحق: ﴿إِنَّ اللهَ اِشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ [التوبة: ١١١]، فاتصلت شهادة الشهيد الحق، بشهادة العبد، فسمّاه شهيدا، ولذلك قال : «والله أعلم بمن يكلم في سبيله». وقال في شهداء أحد: «أنا شهيد على هؤلاء»، لبذلهم نفوسهم دونه، وقتلهم بين يديه، تصديقا لما جاء به . هذا الكلام في الشهيد.

فأما الشهادة، فصفة سمّي حاملها بالشاهد، ويبالغ بشهيد، وللشهادة ثلاثة شروط لا تتم إلا بتمامها وهي: الحضور، والوعي، والأداء.

أما الحضور: فهو شهود الشاهد المشهود.

والوعي: هو ما شاهده وعلمه في شهوده ذلك.

والأداء: هو الإتيان بالشهادة على وجهها في موضع الحاجة إلى ذلك.

هذا معنى الشهادة، والشهادة على الكمال، إنما هي لله ، وأن جميع الشاهدين سواه يؤدون شهادتهم عنده، قال الله :

﴿وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ [الزمر: ٦٩] والشهداء: هم العدول، وأهل العدالة في الدنيا والآخرة هم القائمون بما أوجب الحق سبحانه عليهم في الدنيا.

[باب منه]

روى النسائي عن العرباض بن سارية أن رسول الله قال: «يختصم الشهداء والمتوفّون على فرشهم إلى ربنا في الذين يتوفّون من الطاعون، فيقول الشهداء: قتلوا كما قتلنا؟ ويقول المتوفون على فرشهم: إخواننا ماتوا على فرشهم كما متنا؟ فيقول ربنا ﷿: انظروا إلى جراحهم، فإن أشبهت جراح المقتولين فإنهم منهم، فإذا جراحهم أشبهت جراحهم» (٢).

وروت عائشة قالت: قال رسول الله : «إن فناء أمتي بالطعن


(١) في «مجمل اللغة»: «ملائكة الرحمة».
(٢) أخرجه النسائي (٦/ ٣٧) وهو في «صحيح سنن النسائي» رقم (٢٩٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>