للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

قال علماؤنا رحمة الله عليهم: هذه الأحاديث ظاهرها الإطلاق والعموم، وليست كذلك؛ وإنما هي في ناس مذنبين تفضّل الله تعالى عليهم برحمته ومغفرته، فأعطى كل إنسان منهم فكاكا من النار من الكفار، واستدلّوا بحديث أبي بردة، عن أبيه، عن النبي قال: «يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى».

خرّجه مسلم عن محمد بن عمرو بن عياد بن جبلة بن أبي رواد، قال:

حدّثنا حرميّ بن عمارة، قال: حدّثنا شداد أبو طلحة الراسبي، عن عباس، عن غيلان بن جرير، عن أبي بردة، [عن أبيه]، عن النبي (١).

قالوا: وما معنى فيغفرها لهم؟ أي: يسقط المؤاخذة عنهم بها حتى كأنهم لم يذنبوا.

ومعنى قوله: «ويضعها على اليهود والنصارى» أنه يضاعف عليهم عذاب ذنوبهم، حتى يكون عذابهم بقدر جرمهم وجرم مذنبي المسلمين، لو أخذوا بذلك، لأنه تعالى لا يأخذ أحدا بذنب أحد، كما قال تعالى: ﴿أَلاّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ [النجم: ٣٨] وله سبحانه أن يضاعف لمن يشاء العذاب، ويخفف عمن يشاء بحكم إرادته ومشيئته، إذ لا يسأل عن فعله.

قالوا: وقوله في الرواية الأخرى: «لا يموت رجل مسلم إلا أدخل مكانه يهوديا أو نصرانيا»؛ فمعنى ذلك: أن المسلم المذنب لما كان يستحق مكانا من النار بسبب ذنوبه، وعفا الله عنه وبقي مكانه خاليا منه، أضاف الله تعالى ذلك المكان إلى يهودي أو نصراني ليعذب فيه زيادة على تعذيب مكانه الذي يستحقه بحسب كفره، ويشهد لهذا قوله في حديث أنس للمؤمن الذي يثبت عند السؤال في القبر فيقال له:

«انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة» (٢).

قلت: قد جاءت أحاديث دالة على أن لكل مسلم مذنبا كان أو غيره مذنب منزلين: منزلا من الجنة، ومنزلا من النار. وذلك هو معنى قوله تعالى: ﴿أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠] أي: يرث المؤمنون منازل الكفار، ويجعل الكفار في منازلهم في النار، على ما يأتي بيانه. وهو مقتضى حديث أنس عن النبي : «إن العبد إذا وضع في قبره» الحديث، وقد تقدم. إلا أن هذه الوارثة تختلف؛ فمنهم من


(١) المصدر السابق.
(٢) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>