نفسه، والحامل تسقط من مثله كما تسقط الحوامل من الصيحة الشديدة، ويكون الهول عظيما.
والوجه الآخر: أن يكون ذلك حقيقة لا مثلا، ويكون المعنى أن من كانت محشورة مع ولد رضيع فإنها إذا رأت هول ذلك اليوم ذهلت عمن ولدت، وأن الحوامل إذا بعثن أسقطن من فزع يوم القيامة، الأحمال التي كانت أحياء فماتت بموت أمهاتها أحياء ثم لا يمتن بالإسقاط، لأن الموت لا يتكرر عليهن مرتين، لأنه لا موت في القيامة، وإنما هو يوم الحياة، وتضع الحوامل حملها. ثم يحتمل أن يحيي الله كل حمل كان قد أتم خلقه ونفخ فيه الروح، ويسويه ويعدّله، فإن الأم تذهل عنه، ولو لم تذهل ما قدرت على إرضاعه، لأنه لا غذاء يومئذ لها ولا لبن، واليوم يوم الحساب، لا يقبل فيه من عذر ولا علّة، فكيف تتخلى والاشتغال بالولد مع ما عليها من الحساب؟ وهي بصدده من الجزاء والحمل الذي لم ينفخ فيه قط إذا سقط يكون مع الوحوش ترابا، ولم يبتدأ إحياؤه لأن يوم الإعادة. فمن لم يمت في الدنيا لم يحي في الآخرة. قاله الحليمي في «منهاج الدين».
وقال الحسن في قوله تعالى: ﴿وَتَرَى النّاسَ سُكارى﴾ [الحج: ٢] أي: من العذاب والخوف، ﴿وَما هُمْ بِسُكارى﴾ من الشراب. ومما يبين ما قلناه: أن إبليس قال: ﴿أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الأعراف: ١٤]، سأل النظرة والإمهال إلى يوم البعث والحساب، طلب أن لا يموت؛ لأن يوم البعث لا موت بعده، فقد قال تعالى:
﴿فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ [ص: ٨٠، ٨١]. قال ابن عباس والسدّي وغيرهما: أنظره إلى النفخة الأولى حيث يموت الخلق كلهم، وكان طلب الإنظار إلى النفخة الثانية حيث يقوم الناس لرب العالمين فأبى الله ذلك عليه.
قال المؤلف ﵀: وما وقع في هذا الحديث من انشقاق السماء، وتناثر نجومها وطمس شمسها وقمرها. فقد ذكر المحاسبي وغيره: أن ذلك يكون بعد جمع الناس في الموقف، وروي عن ابن عباس، وسيأتي. وقاله الحليمي في كتاب «منهاج الدين».
[فصل]
فأما التكوين يوم القيامة قبل الحساب؛ فقد قال الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ إلى قوله: ﴿عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج: ١، ٢] وقال: ﴿إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها﴾ [الزلزلة: ١] إلى آخرها.