بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، إذ نظر إلى المشرك أمامه، فخر مستلقيا، فنظر إليه، فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه لضربة السوط، فاخضرّ ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدّث بذلك رسول الله ﷺ فقال:«صدقت ذلك من مدد السماء الثانية»، فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين. وذكر الحديث (١).
وقال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرى إِذِ الظّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ﴾ [الأنعام: ٩٣] أي بالعذاب ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ﴾ [الأنعام: ٩٣] إلى قوله:
﴿يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٦]. وقد زادت السنة هذا النوع بيانا على ما يأتي.
[فصل]
إن قال قائل: كيف الجمع بين هذه الآي، وكيف يقبض ملك الموت في زمن واحد أرواح من يموت بالمشرق والمغرب؟ قيل له: اعلم أن التوفي مأخوذ من:
توفيت الدين واستوفيته، إذا قبضته، ولم يدع منه شيئا، فتارة يضاف إلى ملك الموت لمباشرته ذلك، وتارة إلى أعوانه من الملائكة، لأنهم قد يتولون ذلك أيضا، وتارة إلى الله تعالى وهو المتوفّى على الحقيقة كما قال ﷿: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها﴾ [الزمر: ٤٢] وقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ [الحج: ٦٦] وقال: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ﴾ [الملك: ٢]. فكل مأمور من الملائكة، فإنما يفعل ما يفعل بأمره.
وقال الكلبي: يقبض ملك الموت الروح من الجسد، ثم يسلمها إلى ملائكة الرحمة إن كان مؤمنا، وإلى ملائكة العذاب إن كان كافرا. وهذا المعنى منصوص في حديث البراء، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
وفي الخبر عن النبي ﷺ:«إن ملك الموت ليهيب بالأرواح، كما يهيب أحدكم بفلوّه أو فصيله ألا هلمّ ألا هلمّ». يهيب: يدعو. يقال: أهاب الرجل بغنمه أي صاح بها لتقف أو لترجع، وأهاب بالبعير.
قال طرفة يصف ناقته:
تريع إلى صوت المهيب وتتقي … بذي خصل روعات أكلب ملبد
تريع: معناه: تعود وترجع.
وقال الشاعر:
طمعت بليلى إذ تريع وإنما … تقطع أرقاب الرجال المطامع
والخصل: أطراف الشجر المتدلية، والروعات: جمع روعة وهي الفزعة،