للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

الإيمان بالدجال وخروجه حقّ، وهذا مذهب أهل السنة وعامة أهل الفقه والحديث، خلافا لمن أنكر أمره من الخوارج وبعض المعتزلة، ووافقنا على إثباته بعض الجهمية وغيرهم، لكن زعموا أن ما عنده مخارق وحيل، قالوا: لأنها لو كانت أمورا صحيحة لكان ذلك إلباسا للكاذب بالصادق، وحينئذ لا يكون فرق بين النبي والمتنبي، وهذا هذيان لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه؛ فإن هذا إنما كان يلزم لو أن الدجال يدّعي النبوة، وليس كذلك فإنه إنما ادعى الإلهية، ولهذا قال : «إن الله ليس بأعور» تنبيها للعقول على فقره وحدثه ونقصه، وإن كان عظيما في خلقه، ثم قال: «مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن ومؤمنة كاتب أو غير كاتب» وهذا الأمر مشاهد للحس يشهد بكذبه وكفره.

وقد تأول بعض الناس «مكتوب بين عينيه كافر» فقال: معنى ذلك ما ثبت من سمات حدثه، وشواهد عجزه، وظهور نقصه، قال: ولو كان على ظاهره وحقيقته لاستوى في إدراك ذلك المؤمن والكافر.

وهذا عدول وتحريف عن حقيقة الحديث من غير موجب لذلك، وما ذكره من لزوم المساواة بين المؤمن والكافر في قراءة ذلك لا يلزم، لأن الله تعالى يمنع الكافر من إدراكه ليغتر باعتقاده التجسيم حتى يوردهم بذلك نار الجحيم. فالدجال فتنة ومحنة من نحو فتنة أهل المحشر بالصورة الهائلة التي تأتيهم، فيقول لهم: أنا ربكم. فيقول المؤمنون: نعوذ بالله منك. حسب ما تقدم، لا سيما وذلك الزمان قد انخرقت فيه عوائد فليكن هذا منها، وقد نص على هذا بقوله: «يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب»، وقراءة غير الكاتب خارقة للعادة. وأما الكافر فمصروف عن ذلك بغفلته وجهله وكما انصرف عن إدراك نقص عوره وشواهد عجزه، كذلك يصرف عن قراءة سطور كفره ورمزه.

وأما الفرق بين النبي والمتنبي، فالمعجزة لا تظهر على يد المتنبي لأنه لزم منه انقلاب دليل الصدق دليل الكذب وهو محال.

وقوله: «إن ما يأتي به الدجال حيل ومخاريق»؛ فقول معزول عن الحقائق، لأن ما أخبر به النبي من تلك الأمور حقائق والعقل لا يحيل شيئا منها، فوجب إبقاؤها على حقائقها، وسيأتي تفصيلها بعون الله تعالى.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>