قبل الله تعالى: يا نار خذيهم، يا مالك أدخلهم الباب الأول من النار، فعند ذلك يسمع صلصلة كالرعد القاصف، فإذا همت النار أن تحرق القلوب زجرها مالك وجعل يقول: لا تحرق قلبا فيه القرآن، وكان وعاء الإيمان، فإذا الزبانية قد جاءوا بالحميم ليصبوه في بطونهم فيزجرهم مالك، فيقول: لا تدخلوا الحميم بطونا أخمصها رمضان، ولا تحرق النار جباها سجدت لله تعالى، فيعودون فيها حمما كالغاسق المحلولك والإيمان يتلألأ في القلوب. وسيأتي لهذا مزيد بيان في آخر أبواب النار، نجانا الله منها ولا يجعلنا ممن يدخلها فيحترق فيها، وأعاذنا من عذابها بمنّه وكرمه.
[فصل]
قوله:«إذا فرغ الله» مشكل، وفي التنزيل: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ﴾ [الرحمن: ٣١] ومعناه: المبالغة في التهديد والوعيد من عند الله تعالى لعباده، كقول القائل: سأفرغ لك، وإن لم يكن مشغولا عنه بشغل، وليس بالله تعالى شغل، تعالى عن ذلك.
وقيل: المعنى: سنقصد لمجازاتكم وعقوبتكم، كما يقول القائل لمن يريد تهديده: إذا أتفرغ لك، أي: أقصد قصدك. وفرغ بمعنى قصد وأحكم. قال جرير بن نمير الجعفي:
الآن وقد فرغت إلى نمير … فهذا حين كنت لها عذابا
يريد: وقد قصدت نحوه. فمعنى فرغ الله من القضاء بين العباد أي: تمم عليهم حسابهم وفصل بينهم، لأنه لا يشغله شأن عن شأن، ﷾.
***
[١٢٧ - باب ما يرجى من رحمة الله تعالى ومغفرته وعفوه ورضوانه يوم القيامة]
قال الحسن: يقول الله تعالى يوم القيامة: «جوزوا الصراط بعفوي، وادخلوا الجنة برحمتي، واقتسموها بأعمالكم».
وقال ﵇:«ينادي مناد من تحت العرش: يا أمة محمد أمّا ما كان لي قبلكم فقد وهبته لكم، وبقيت التبعات فتواهبوها فيما بينكم، وادخلوا الجنة برحمتي»(١).
(١) حديث ضعيف؛ انظر تخريج «الإحياء» للحافظ العراقي (٤/ ٥٤٥).