«سبعون ذراعا في سبعين ذراعا». وفي حديث البراء:«مدّ البصر». وخرّج علي بن معبد عن معاذة قالت: قلت لعائشة ﵂: ألا تخبريننا عن مقبورنا ما يلقى وما يصنع به؟ فقالت:«إن كان مؤمنا فسح له في قبره أربعون ذراعا».
قلت: وهذا إنما يكون بعد ضيق القبر والسؤال، وأما الكافر فلا يزال قبره عليه ضيقا. فنسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
سمعت بعض علمائنا يقول: إن حفّارا كان بقرافة مصر يحفر القبور، فحفر ثلاثة أقبر فلما فرغ منها غشيه النعاس، فرأى فيما يرى النائم ملكين نزلا فوقفا على أحد الأقبر، فقال أحدهما لصاحبه: اكتب فرسخا في فرسخ.
ثم وقفا على الثاني: فقال أحدهما: اكتب ميلا في ميل. ثم وقفا على الثالث، فقال: اكتب فترا في فتر. ثم انتبه، فجيء برجل غريب لا يؤبه له فدفن في القبر الأول، ثم جيء برجل آخر فدفن في القبر الثاني، ثم جيء بامرأة مترفة من وجوه أهل البلد حولها ناس كثير فدفنت في القبر الضيق الذي سعته فترا في فتر.
الفتر: ما بين الإبهام والسبابة. نعوذ الله من ضيق القبر وعذابه.
***
[٥٢ - باب ما جاء في عذاب القبر وأنه حق وفي اختلاف عذاب الكافرين في قبورهم وضيقها عليهم]
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾ [طه: ١٢٤]. قال أبو سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود: ضنكا؛ قال: عذاب القبر. وقيل في قوله ﷿: ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ﴾ [الطور: ٤٧] هو: عذاب القبر، لأن الله ذكره عقب قوله: ﴿فَذَرْهُمْ حَتّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾ [الطور: ٤٥] وهذا اليوم هو اليوم الآخر من أيام الدنيا، فدل على أن العذاب الذي هم فيه هو عذاب القبر، وكذلك قال: ﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ٣٧] لأنه غيب. وقال: ﴿وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ * النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾ [غافر: ٤٥، ٤٦] فهذا عذاب القبر في البرزخ وسيأتي.