للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويفيض، وحتى يخرج الرجل زكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا» (١).

[فصل حول ذي الخلصة والخلصة]

ثبت حديث ذي الخلصة في الصحيحين؛ أن رسول الله بعث جرير بن عبد الله البجلي إلى هذا البيت، قال جرير: فنفرت إليها في مائة وخمسين من أحمس، فكسرناه وقتلنا من وجدنا عنده (٢).

قال أبو الخطاب بن دحية: وذو الخلصة بضم الخاء واللام في قول أهل اللغة والسير، وبفتحها؛ قيّدناه في الصحيحين وكذا قال ابن هشام، وقيده الإمام أبو الوليد الكناني الوقشي بفتح الخاء وسكون اللام، وكذا قال ابن زيد، واختلف فيه؛ فقيل: هو بيت أصنام كان لدوس وخثعم وبجيلة، ومن كان ببلادهم من العرب. وقيل: هو صنم كان عمرو بن لحي نصبه بأسفل مكة حتى نصبت الأصنام في مواضع شتى، وكانوا يلبسونه القلائد ويعلقون عليه بيض النعام ويذبحون عنده، وقيل: ذو الخلصة؛ هي الكعبة اليمانية فكان معناهم في تسميتها بذلك أن عبادة خالصة.

والمعنى المراد بالحديث: أنهم يرتدّون ويرجعون إلى جاهليتهم في عبادة الأوثان، فترسل نساء دوس طائفات حوله فترتج أردافهن عند ذلك، في آخر الزمان، وذلك بعد موت جميع من في قلبه مثقال حبة من إيمان، وهو كما جاء في حديث عائشة ، عن النبي أنه قال: «لا تذهب الليالي والأيام حتى تعبد اللات والعزى» الحديث وسيأتي بكماله.

وقوله: «يسوق الناس بعصاه»: كناية عن استقامة الناس وانقيادهم إليه واتفاقهم عليه، ولم يرد نفس العصا، وإنما ضرب بها مثلا لطاعتهم له واستيلائه عليهم، إلا أن في ذكرها دليلا على خشونته عليهم وعسفه بهم. وقد قيل: إنه يسوقهم بعصاه كما تساق الإبل والماشية، وذلك لشدة عنفه وعدواه ولعل هذا الرجل القحطاني هو الرجل الذي يقال له الجهجاه، وأصل الجهجهة الصياح بالسبع، يقال: جهجهت بالسبع أي زجرته بالصياح ويقال: جهجه عني أي انته. وهذه الصفة توافق ذكر العصا والله أعلم.

وثبت عن رسول الله من رواية عائذ بن عمرو - وكان ممن بايع تحت الشجرة - قال: سمعت رسول الله يقول: «إن شر الرعاء الحطمة» (٣).


(١) أخرجه مسلم (١٥٧).
(٢) أخرجه البخاري (٣٨٢٣) ومسلم (٢٤٧٦).
(٣) أخرجه مسلم (١٨٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>