للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

قال علماؤنا رحمة الله عليهم: كان محمد بن مسلمة ممن اجتنب ما وقع بين الصحابة من الخلاف والقتال، وأن النبي أمره إذا كان ذلك أن يتخذ سيفا من خشب ففعل وأقام بالرّبذة. وممن اعتزل الفتنة أبو بكرة، وعبد الله بن عمر، وأسامة بن زيد، وأبو ذر، وحذيفة، وعمران بن حصين، وأبو موسى، وأهبان بن صيفي، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم. ومن التابعين:

شريح، والنخعي، وغيرهم .

قلت: هذا وكانت تلك الفتنة والقتال بينهم على اجتهاد منهم، فكان المصيب منهم له أجران، والمخطئ له أجر، ولم يكن قتال على الدنيا فكيف اليوم الذي تسفك فيه الدماء باتباع الهوى طلبا للملك والاستكثار من الدنيا، فواجب على الإنسان أن يكفّ اليد واللسان عند ظهور الفتن ونزول البلايا والمحن، نسأل الله السلامة والفوز بدار الكرامة بحق نبيه وآله وأتباعه وصحبه.

وقوله: «كونوا أحلاس بيوتكم»: حضّ على ملازمة البيوت والقعود فيها حتى يسلم من الناس ويسلموا منه.

ومن مراسيل الحسن وغيره عن النبي أنه قال: «نعم صوامع المؤمنين بيوتهم» (١). وقد تكون العزلة في غير البيوت كالبادية والكهوف، قال الله تعالى:

﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ﴾ [الكهف: ١٠].

ودخل سلمة بن الأكوع على الحجاج وكان قد خرج إلى الربذة حين قتل عثمان، وتزوج امرأة هناك وولدت له أولادا، فلم يزل بها حتى كان قبل أن يموت بليال فدخل المدينة فقال له الحجاج: ارتددت على عقبيك؟ قال: لا؛ ولكن رسول الله أذن لنا في البدو. وخرّجه مسلم وغيره (٢).

وقد تقدم قوله : «يأتي على الناس زمان يكون خير مال المسلم غنما يتبع به شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن».

وما زال الناس يعتزلون ويخالطون كل واحد منهم على ما يعلم من نفسه ويتأتى له من أمره، وقد كان العمري (٣) بالمدينة معتزلا، وكان مالك مخالطا للناس، ثم اعتزل مالك آخر عمره ، فيروى عنه أنه أقام ثماني عشرة


(١) انظر «كشف الخفاء» (٤٢٨/ ٢٨٣٠/٢).
(٢) أخرجه البخاري (٧٠٨٧) ومسلم (١٨٦٢).
(٣) تصحّفت في ط. دار ابن كثير إلى: المعمري. والصواب هو المثبت هنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>