وخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي إدريس الخولاني، أنه سمع حذيفة يقول:«كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير وكنت أسأله عن الشرّ مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشرّ فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: نعم. فقلت: هل بعد ذلك من خير؟ قال: نعم. وفيه دخن. قلت:
وما دخنه؟ قال: قوم يستنّون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. فقلت:
هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم؛ دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها فقلت: يا رسول الله؛ صفهم لنا. قال: نعم؛ قوم من جلدتنا ويتكلّمون بألسنتنا.
فقلت: يا رسول الله؛ فما تأمرني إن أدركت ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم.
قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل الفرق كلّها، ولو إن تعضّ على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» (١).
وفي رواية قال:«تكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنّون بسنّتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال: قلت: فكيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع» لفظ مسلم.
وفي كتاب أبي داود بعد قوله:«هدنة على دخن» قال: «قلت: يا رسول الله؛ ثم ماذا؟ قال: إن كان لله خليفة في الأرض فضرب ظهرك وأخذ مالك فأطعه، وإلا فمت وأنت عاضّ في جذل شجرة. قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم يخرج الدجال ومعه نهر ونار فمن وقع في ناره وجب أجره وحط وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره وحط أجره. قال: ثم ماذا؟ قال: هي قيام الساعة».
[فصل]
قوله:«على أقذاء»؛ الأقذاء، جمع القذى، والقذى جمع قذاة، وهو ما يقع في العين من الأذى وفي الطعام والشراب من تراب أو نتن أو غير ذلك، فالمراد به في الحديث: الفساد الذي يكون في القلوب، أي: أنهم يتّقون بعضهم بعضا، ويظهرون الصلح والاتفاق، ولكنهم في باطنهم خلاف ذلك، والجذل: الأصل كما هو مبين في كتاب مسلم: «على أصل شجرة».
***
(١) أخرجه البخاري (٣٦٠٦، ٧٠٨٤) ومسلم (١٨٤٧) وأبو داود (٤٢٤٤).