للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤمنون عند ذلك إليه ويحكمونه على أنفسهم، إذ لا أحد يصلح لذلك غيره، ولأن تعطيل الحكم غير جائز. وأيضا فإن بقاء الدنيا إنما يكون بمقتضى التكليف، إلى أن لا يقال في الأرض: الله الله، على ما يأتي، وهذا واضح.

[فصل]

فإن قيل: فما الحكمة في نزوله في ذلك الوقت دون غيره؟

فالجواب عنه من ثلاثة أوجه:

أحدها: يحتمل أن يكون ذلك لأن اليهود همت بقتله وصلبه وجرى أمرهم معه على ما بينه الله تعالى في كتابه، وهم أبدا يدعون أنهم قتلوه وينسبونه في السحر وغيره إلى ما كان الله يراه ونزهه منه، ولقد ضرب الله عليهم الذلة فلم تقم لهم منذ أعز الله الإسلام وأظهره راية ولا كان لهم في بقعة من بقاع الأرض سلطان ولا قوة ولا شوكة، ولا يزالون كذلك حتى تقرب الساعة، فيظهر الدجال وهو أسحر السحرة ويبايعه اليهود فيكونون يومئذ جنده مقدرين أنهم ينتقمون به من المسلمين، فإذا صار أمرهم إلى هذا أنزل الله تعالى الذي عندهم أنهم قد قتلوه وأبرزه لهم ولغيرهم من المنافقين والمخالفين حيّا، ونصره على رئيسهم وكبيرهم المدعي الربوبية فقتله وهزم جنده من اليهود بمن معه من المؤمنين، فلا يجدون يومئذ مهربا وإن توارى أحدى منهم بشجر أو حجر أو جدار ناداه: يا روح الله هاهنا يهودي حتى يوقف عليه. فإما أن يسلم وإما أن يقتل، وكذا كل كافر من كل صنف حتى لا يبقى على وجه الأرض كافر.

والوجه الثاني: وهو أنه يحتمل أن يكون إنزاله مدة لدنو أجله لا لقتال الدجال، لأنه لا ينبغي لمخلوق من التراب أن يموت في السماء لكن أمره يجري على ما قال الله تعالى: ﴿* مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى﴾ [طه: ٥٥] فينزله الله تعالى ليقبره في الأرض مدة يراه فيها من يقرب منه ويسمع به من نأى عنه، ثم يقبضه فيتولى المؤمنون أمره ويصلون عليه ويدفن حيث دفن الأنبياء الذين أمه مريم من نسلهم وهي الأرض المقدسة، فينشر إذا نشر معهم، فهذا سبب إنزاله، غير أنه يتفق في تلك الأيام من بلوغ الدجال باب لد. هذا ما وردت به الأخبار فإذا اتفق ذلك، وكان الدجال قد بلغ من فتنته أن ادعى الربوبية ولم ينتصب لقتاله أحد من المؤمنين لقلتهم كان هو أحق بالتوجه إليه ويجري قتله على يديه إذ كان ممن اصطفاه الله لرسالته وأنزل عليه كتابه وجعله وأمه آية فعلى هذه الوجه يكون الأمر بإنزاله لا أنه ينزل لقتال الدجال قصدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>