للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

قال علماؤنا في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ [آل عمران: ١٦١] أن ذلك على الحقيقة كما بينه أي يأتي به حاملا له على ظهره ورقبته معذبا بحمله وثقله ومرعوبا بصوته وموبخا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد، وكذا مانع الزكاة كما في صحيح الحديث.

قال أبو حامد: فمانع زكاة الإبل يحمل بعيرا على كاهله له رغاء وثقل يعدل الجبل العظيم، ومانع زكاة البقر يحمل ثورا على كاهله له خوار وثقل يعدل الجبل العظيم، ومانع زكاة الغنم يحمل شاة لها ثغاء وثقل يعدل الجبل العظيم، والرغاء والخوار والثغاء كالرعد القاصف، ومانع زكاة الزرع يحمل على كاهله أعدالا قد ملئت من الجنس الذي كان يبخل به برّا كان أو شعيرا، أثقل ما يكون، ينادي تحته بالويل والثبور، ومانع زكاة المال يحمل شجاعا أقرع له زبيبتان وذنبه قد انساب في منخريه واستدارت بجيده وثقل على كاهله كأنه طوق بكل رحى في الأرض، وكل واحد ينادي مثل هذا فتقول الملائكة:

هذا ما بخلتم به في الدنيا رغبة فيه ورشحا عليه وهو قوله تعالى: ﴿سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ [آل عمران: ١٨٠].

قلت وهذه الفضيحة التي أوقعها الله بالغالّ ومانعي الزكاة نظير الفضيحة التي يوقعها بالغادر، وجعل الله هذه المعاقبات حسب ما يعهده البشر ويفهمونه، ألا ترى إلى قول الشاعر:

أسميّ ويحك هل سمعت بغدرة … رفع اللواء لنا بها في المجمع

فكانت العرب ترفع للغادر لواء في المحافل ومواسم الحج، وكذلك يطاف بالجاني مع جنايته، وذهب بعض العلماء إلى أن ما يجيء به الغال يحمله عبارة عن وزر ذلك وشهرة الأمر أي يأتي يوم القيامة قد شهر الله أمره كما يشهر لو حمل بعيرا له رغاء أو فرسا له حمحمة.

قلت: وهذا عدول عن الحقيقة إلى المجاز والتشبيه، وقد أخبر النبي بالحقيقة فهو أولى.

وقد روى أبو داود عن سمرة بن جندب قال: كان رسول الله إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم فيخمسها ويقسمها، فجاء رجل يوما بعد النداء بزمام من شعر فقال: «يا رسول الله هذا كان فيما أصبناه من الغنيمة» قال: «أسمعت بلالا ثلاثا» قال: نعم قال: «فما منعك أن تجيء

<<  <  ج: ص:  >  >>