للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و (الترمذي) عن معاوية بن حيدة عن النبي في حديث ذكره، قال: وأشار بيده إلى الشام فقال: «هاهنا إلى هاهنا تحشرون ركبانا ومشاة، وتجرون على وجوهكم يوم القيامة، على أفواهكم الفدام، توفون سبعين أمة أنتم خيرهم على الله، وأكرمهم على الله، وإن أول ما يعرب عن أحدكم فخذه» (١). وفي رواية أخرى، ذكرها ابن أبي شيبة: «وأن أول ما يتكلم من الإنسان فخذه وكفه» (٢).

[فصل]

قوله: «غرلا» أي: غير مختونين. النقي: الحواري، وهو الدرمك من الدقيق، والعفر: بياض ليس بخالص، يضرب إلى الحمرة قليلا. والفدام: مصفاة الكوز والإبريق، قاله الليث. قال أبو عبيد: «يعني أنهم منعوا الكلام، حتى تتكلم أفخاذهم، فشبّه ذلك بالفدام الذي يجعل على الإبريق».

وقوله: «أول من يكسى إبراهيم»؛ فضيلة عظيمة لإبراهيم، وخصوص له كما خصّ موسى بأن النبي يجده معلّقا بساق العرش، مع أن النبي أول من تنشقّ عنه الأرض، ولا يلزم من هذا أن يكون أفضل منه مطلقا بل أهو أفضل من وافى القيامة، على ما يأتي بيانه في أحاديث الشفاعة والمقام المحمود، إن شاء الله تعالى.

قال شيخنا أبو العباس أحمد بن عمر في كتاب «المفهم» له: «ويجوز أن يراد بالناس من عداه من الناس، فلم يدخل تحت خطاب نفسه، والله تعالى أعلم» (٣).

قلت: هذا حسن لولا ما جاء منصوصا خلافه، فقد روى ابن المبارك في رقائقه: أخبرنا سفيان، عن عمرو بن قيس، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن


= أنه قال: «والذي نفسي بيده ليردنّ عليّ الحوض .... » وذكر الحديث، ثم قال: فقال أبو أمامة الباهلي: هم الخوارج … ». «مجمع البيان» (٢/ ٦١٥ - ٦١٦).
قلت: وينظر «فتح الباري» (١١/ ٣٩٣ - ٣٩٤).
وأقوال أهل العلم في معنى هذا الحديث تدور حول ما ذكرناه، أما أصحاب العقول السقيمة والنفوس المريضة والقلوب المليئة بالضغينة والحقد فيفسّرونه بما فسّره التيجاني وغيره، من أن هذا الحديث ينطبق على أصحاب النبي . فليت شعري كيف يتجرأ هؤلاء على هذا القول وربّ العزّة يقول: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً﴾ [الفتح: ١٨].
(١) أخرجه الترمذي (٢١٩٢، ٢٤٢٤، ٣١٤٣) وأحمد (٥/ ٣).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٨/ ٣٥٩ - ٣٦٠).
(٣) انظر «المفهم» (٧/ ١٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>