للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن ابن مسعود قال: «ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، ثم يقول: يا ابن آدم، ما غرك بي، يا ابن آدم، ماذا عملت فيما علمت، يا ابن آدم، ماذا أجبت المرسلين؟ يا ابن آدم؛ ألم أكن رقيبا على عينيك وأنت تنظر بهما إلى ما لا يحل لك، ألم أكن رقيبا على أذنيك؟ وهكذا عن سائر الأعضاء» (١).

فكيف ترى حياءك وخجلك وهو يعد عليك إنعامه ومعاصيك، وأياديه ومساويك؟ فإن أنكرت شهدت عليك جوارحك. فنعوذ بالله من الافتضاح على ملأ الخلق بشهادة الأعضاء، إلا أن الله وعد المؤمن أن يستر عليه، ولا يطلع عليه غيره كما ذكرنا، وذلك بفضل منه.

وهل يكلّم الكفار عند المحاسبة لهم؟ فيه خلاف؛ تقدم بيانه في أسماء القيامة. ويأتي أيضا في باب ما جاء في شهادة أركان الكافر والمنافق عليهما، ولقائهما الله ﷿، مستوفى - إن شاء الله تعالى -.

[فصل]

فإن قيل: أخبر الله تعالى عن الناس أنهم مجزيّون محاسبون، وأخبر أنه يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين، ولم يخبر عن ثواب الجن ولا عن حسابهم بشيء، فما القول في ذلك عندكم، وهل يكلمهم الله؟

فالجواب: أن الله تعالى أخبر أن الإنس والجن يسألون؛ فقال خبرا عما يقال لهم: ﴿يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا﴾ [الأنعام: ١٣٠] الآية. وهذا سؤال، فإذا ثبت بعض السؤال ثبت كله، ولما كانت الجن ممن يخاطب ويعقل، قال: «منكم»، وإن كانت الرسل من الإنس، وغلّب الإنس في الخطاب كما يغلب المذكر على المؤنث.

وأيضا لما كان الحساب عليهم دون الخلق، قال: «منكم» فصير الرسل في مخرج اللفظ من الجميع، لأن الثقلين قد ضمتهما عرصة القيامة، فلما صاروا في تلك


(١) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (٣٨) ومن طريقه النسائي في «الكبرى» كما في «تحفة الأشراف» (٧/ ٧٠ - ٧١/ ٩٣٤٥) والطبراني في «المعجم الكبير» (١٨٢/ ٨٩٠٠/٩) وابن خزيمة في «التوحيد» (١/ ٣٦٣ - ٣٦٤/ ٢١٧) وعبد الله بن أحمد في «السنة» (٢٥٨/ ٤٧٤/١، ٤٧٥).
من طريق: شريك، عن هلال الوزان، عن عبد الله بن حكيم، عن عبد الله بن مسعود به.
وإسناده ضعيف؛ لأجل شريك، لكنه توبع؛ تابعه أبو عوانة عن هلال به؛ عند أبي نعيم في «الحلية» (١/ ١٣١) والطبراني في «الكبير» (١٨٢/ ٨٨٩٩/٩). فصحّ الأثر، والحمد لله.

<<  <  ج: ص:  >  >>