للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٦ - باب ما جاء في رسل ملك الموت قبل الوفاة]

ورد في الخبر: أن بعض الأنبياء قال لملك الموت :

أما لك رسول تقدّمه بين يديك ليكون الناس على حذر منك؟ قال: نعم، لي والله رسل كثيرة من الإعلال والأمراض والشيب والهموم وتغير السمع والبصر، فإذا لم يتذكر من نزل به ذلك ولم يتب، فإذا قبضته ناديته: ألم أقدّم إليك رسولا بعد رسول ونذيرا بعد نذير؟ فأنا الرسول الذي ليس بعدي رسول، وأنا النذير الذي ليس بعدي نذير. فما من يوم تطلع فيه شمس ولا تغرب إلا وملك الموت ينادي: ويا أبناء الأربعين، هذا وقت أخذ الزاد، أذهانكم حاضرة وأعضاؤكم قوية شداد. يا أبناء الخمسين قد دنا وقت الأخذ والحصاد. ويا أبناء الستين نسيتم العقاب، وغفلتم عن رد الجواب فما لكم من نصير ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ [فاطر: ٣٧] ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب «روضة المشتاق والطريق إلى الملك الخلاّق».

وفي البخاري عن أبي هريرة عن النبي قال: «أعذر الله إلى امرئ أخّر أجله حتى بلغ ستين سنة» (١).

يقال أعذر في الأمر؛ أي بالغ فيه، أي أعذر غاية الإعذار الذي لا إعذار بعده، وأكبر الإعذار إلى بني آدم؛ بعثة الرسل إليهم، ليتم حجته عليهم ﴿وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [الإسراء: ١٥] وقال: ﴿وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ [فاطر: ٣٧] قيل هو القرآن وقيل هو الرسل إليهم.

وعن ابن عباس وعكرمة وسفيان ووكيع والحسين بن الفضل والفراء والطبري قالوا: هو الشيب، فإنه يأتي في سن الاكتهال، فهو علامة لمفارقته سن الصبا الذي هو سن اللهو واللعب (٢)، قال الشاعر:

رأيت الشيب من نذر المنايا … لصاحبه وحسبك من نذير

تقول النفس غيّر لون هذا … عساك تطيب في عمر يسير

فقلت لها المشيب نذير عمري … ولست مسوّدا وجه النذير


(١) أخرجه البخاري (٦٤١٩).
(٢) انظر: «تفسير القرآن العظيم» لابن أبي حاتم (١٠/ ٣١٨٤ - ٣١٨٥) و «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (٣/ ٧٣٣) و «الجامع لأحكام القرآن» للمصنف (١٤/ ٣٥٣ - ٣٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>