الحديث بطوله، وفي آخره قال: فأخبرني عن الجدال أمن ولد آدم هو أم من ولد إبليس؟ قال:«هو من ولد آدم لا أنه من ولد إبليس، وأنه على دينكم معشر اليهود» وذكر الحديث.
وقيل: إنه لم يولد بعد. وسيولد في آخر الزمان، والأول أصح لما ذكرنا، وبالله توفيقنا.
وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في أن الدجال ابن صياد، والله أعلم (١).
[فصل]
قال أبو سليمان الخطابي: وقد اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافا كثيرا وأشكل أمره حتى قيل فيه كل قول، وقد يسأل عن هذا فيقال: كيف يقارّ رسول الله ﷺ من يدّعي النبوة كاذبا ويتركه بالمدينة يساكنه في داره ويجاوره فيها، وما وجه امتحانه إياه بما خبأ له من آية الدخان، وقوله بعد ذلك؛ اخسأ فلن تعدو قدرك؟!
قال أبو سليمان: والذي عندي أن هذه القضية إنما جرت معه أيام مهادنة رسول الله ﷺ اليهود وحلفاءهم، وذلك أنه بعد مقدمه المدينة كتب بينه وبينهم كتابا وصالحهم فيه على أن لا يهاجروا وأن يتركوا على أمرهم، وكان ابن صياد منهم أو دخيلا في جملتهم، وكان يبلغ رسول الله ﷺ خبره وما يدعيه من الكهانة ويتعاطاه من الغيب فامتحنوه بذلك ليروا آية أمره، فلما كلمه علم أنه معطل وأنه من جملة السحرة والكهنة يأتيه ربيب من الجن أو يتعاهده شيطان فيلقى على لسانه بعض ما يتكلم به، فلما سمع منه قول الدخ زجره وقال: اخسأ ولن تعدو قدرك، يريد أن ذلك شيء ألقاه إليه الشيطان، وأجراه على لسانه، وليس ذلك من قبل الوحي، إذ لم يكن له قدر الأنبياء الذين يوحى إليهم علم الغيب ولا درجة الأولياء الذين يلهمون العلم ويصيبون بنور قلوبهم الحق، وإنما كانت له تارات يصيب في بعضها ويخطئ في بعض، وذلك معنى قوله: يأتيني صادق وكاذب، فقال له عند ذلك: خلط عليك.
والحكمة في أمره أنه كان فتنة امتحن الله بها عباده المؤمنين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة، وقد امتحن الله قوم موسى في زمانه بالعجل فافتتن به قوم وهلكوا، ونجا من هداه الله وعصمه منهم.