إذ لا يطاق سماع شيء من عذاب الله في هذه الدار، لضعف هذه القوى. ألا ترى أنه إذا سمع الناس صعقة الرعد القاصف، أو الزلازل الهائلة هلك كثير من الناس، وأين صعقة الرعد من صحيحة الذي تضربه الملائكة بمطارق الحديد التي يسمعها كل من يليه؟ وقد قال ﷺ في الجنازة:«ولو سمعها إنسان لصعق».
قلت: هذا وهو على رؤوس الرجال من غير ضرب ولا هوان. فكيف إذا حل به الخزي والنكال واشتد عليه العذاب والوبال؟ فنسأل الله معافاته ومغفرته وعفوه ورحمته بمنه.
(حكاية) قال أبو محمد عبد الحق: حدّثني الفقيه أبو الحكم بن برجان - وكان من أهل العلم والعمل ﵀ أنهم دفنوا ميتا بقريتهم من شرق إشبيلية، فلما فرغوا من دفنه؛ قعدوا ناحية يتحدثون ودابة ترعى قريبا منهم، فإذا الدابة قد أقبلت مسرعة إلى القبر، فجعلت أذنها عليه كأنها تسمع، ثم ولّت فارة كذلك - فعلت مرة بعد أخرى - قال أبو الحكم ﵀: فذكرت عذاب القبر، وقول النبي ﷺ:«إنهم ليعذبون عذابا تسمعه البهائم» والله ﷿ أعلم بما كان من أمر ذلك الميت. ذكر هذه الحكاية لما قرأ القارئ هذا الحديث في عذاب القبر، ونحن إذ ذاك نسمع عليه كتاب مسلم بن الحجاج ﵁.
***
[٥٨ - باب ما جاء أن الميت يسمع ما يقال]
(مسلم) عن أنس بن مالك: أن عمر بن الخطاب حدّث عن أهل بدر فقال:
إن رسول الله ﷺ كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس. يقول:«هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله». قال: فقال عمر: فوالذي بعثه بالحق نبيّا؛ ما أخطئوا الحدود التي حدّ رسول الله ﷺ. قال: فجعلوا في بئر، بعضهم على بعض، فانطلق رسول الله ﷺ حتى انتهى إليهم فقال:«يا فلان بن فلان! هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقّا، فإني وجدت ما وعدني ربي حقّا؟» فقال عمر: يا رسول الله! كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ قال:«ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا عليّ شيئا»(١). وعنه أن رسول الله ﷺ ترك قتلى بدر ثلاثا، فقام عليهم فناداهم؛ فقال: