أهل الكفر بالله جحدا وعتوّا، وأهل الكفر بالله إعراضا وجهلا، ثم يقال لأهل الجمع: أين ما كنتم تعبدون من دون الله لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فمن كان يعبد من دون الله شيئا اتبعه حتى يقذف به في جهنم، قال الله ﷿: ﴿هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [يونس: ٣٠] وقال: ﴿فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ﴾ [الشعراء: ٩٤، ٩٥].
وقال رسول الله ﷺ:«تمد الأرض مد الأديم يوم القيامة لعظمة الله ﷿ ثم لا يكون لبشر من بني آدم منها إلا موضع قدميه، ثم ادعى أنا أول الناس فأخر ساجدا، ثم يؤذن لي فأقول يا رب: خبرني هذا جبريل ﷺ وهو عن يمين عرش الرحمن ﵎ أنك أرسلته إليّ، وجبريل ساكت لا يتكلم حتى يقول الله ﷿ صدق، ثم يؤذن لي في الشفاعة فأقول: يا رب عبادك عبدوك في أقطار الأرض فذلك المقام المحمود»(١).
ثم يبعث البعث الرابع وهم قوم وحدوا الله وكذبوا المرسلين جهلوا صفات الله ﷻ، وردوا عليه كتبه ورسله، ثم يبعث البعث الخامس والسادس وهم أهل الكتابين يأتون ربهم عطاشا يقال لهم: ما كنتم تبغون؟ فيقولون: عطشنا يا ربنا فاسقنا، فيقال لهم: ألا ترون فيشار لهم إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيردونها سقوطا فيها، ثم تقع المحنة بالمنافقين والمؤمنين في معرفة ربهم وتمييزه من المعبودات من دونه فيذهب الله المنافقين ويثبت المؤمنين، ثم ينصب الصراط مجازا على متن جهنم أعاذنا الله منها أرق من الشعر وأحدّ من الموسى كما وصفه رسول الله ﷺ فيسقط أهل البدع في الباب السادس منه أو الخامس، وأهل الكبائر في السابع أو السادس وإنما يسقط الساقط بعد ما يعجز عن عمله ويخلص المؤمنون على درجاتهم في تفاوتهم في النجاة ويحبسون على قنطرة بين الجنة والنار يتقاضون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا صفوا وهذبوا، أدخلوا الجنة، ومن ذلك المقام يوقف أصحاب الأعراف.
قال المؤلف: هكذا ذكر هذا الترتيب وهو ترتيب حسن، وسيأتي له مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
[فصل]
قوله:«هل تضارون» بضم التاء وفتحها وبتشديد الراء وتخفيفها، وضم التاء وتشديد الراء أكثر، وأصله تضاررون أسكنت الراء الأولى وأدغمت مع الثانية وماضيه ضورر على ما لم يسم فاعله، ويجوز أن يكون مبنيا للفاعل بمعنى تضارون
(١) أخرجه الحاكم (٤/ ٥٧٠، ٥٧١) وصحّحه الحاكم والذهبي، وهو كما قالا.