للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشفع للفئام، ومنهم من يشفع للقبيلة، ومنهم من يشفع للعصبة، ومنهم من يشفع للرجل، حتى يدخلوا الجنة» (١). قال حديث حسن.

وذكر البزار في «مسنده» عن ثابت: أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول الله : «إن الرجل ليشفع للرجلين والثلاثة» (٢).

وذكر القاضي عياض في «الشفا» عن كعب: إن لكل رجل من الصحابة شفاعة.

ذكر ابن المبارك، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر؛ أنه بلغه أن رسول الله قال: «يكون في أمتي رجل يقال له: صلة بن أشيم يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا» (٣).

[فصل]

إن قال قائل كيف تكون الشفاعة لمن دخل النار والله تعالى يقول: ﴿إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ [آل عمران: ١٩٢] وقال: ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ اِرْتَضى﴾ [الأنبياء: ٢٨] وقال: ﴿* وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى﴾ [النجم: ٢٦]، ومن ارتضاه الله لا يخزيه، قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ﴾ [التحريم: ٨] الآية.

قلنا: هذا مذهب أهل الوعيد الذين ضلوا عن الطريق، وجادوا عن التحقيق.

وأما مذهب أهل السنة الذين جمعوا بين الكتاب والسنة؛ فإن الشفاعة تنفع العصاة من أهل الملة، حتى لا يبقى منهم أحد إلاّ دخل الجنة.

والجواب عن الآية الأولى ما قاله أنس بن مالك أنّ معنى ﴿مَنْ تُدْخِلِ النّارَ﴾ [آل عمران: ١٩٢]: من يخلد. وقال قتادة: يدخل مقلوب يخلد، ولا تقول كما قال أهل حروراء، فيكون في قوله على هذا ﴿فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ [آل عمران: ١٩٢] على بابه من الهلاك، أي: أهلكته وأبعدته ومقته، وبهذا قال سعيد بن المسيب.

فإن الآية جاءت خاصة في قوم لا يخرجون من النار، دليله قوله في آخر الآية ﴿وَما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ﴾ [آل عمران: ١٩٢] أي: الكفار.


(١) أخرجه الترمذي (٢٤٤٠)، وضعّفه الألباني.
(٢) أخرجه البزار (١٧٣/ ٣٤٧٣/٤) - كشف الأستار - بإسناد صحيح.
(٣) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» برقم (٨٦٤) وابن سعد في «الطبقات» (٧/ ١٣٤) وأبو نعيم في «الحلية» (٢/ ٢٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>