للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا حديث غريب من حديث جابر الجعفي وقتادة، وتفرد به قتادة عن جابر عن ابن عباس عن مجاعة بن الزبير.

وروى الحسن بن علي رضوان الله عليهما قال: قال لي جدّي : «يا بنيّ عليك بالقناعة تكن أغنى الناس، وأد الفرائض تكن أعبد الناس، يا بني إن في الجنة شجرة يقال لها شجرة البلوى، يؤتى بأهل البلاء يوم القيامة فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان، يصب عليهم الأجر صبا. وقرأ : ﴿إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ [الزمر: ١٠]» (١) ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب «روضة المشتاق».

[فصل]

فإن قيل: أما وزن أعمال المؤمنين فظاهر وجهه فتقابل الحسنات بالسيئات، فتوجد حقيقة الوزن، والكافر لا يكون له حسنات؛ فما الذي يقابل بكفره وسيئاته، وأنى يتحقق في أعماله الوزن؟

فالجواب: إن ذلك على وجهين؛ أحدهما: أن الكافر يحضر له ميزان فيوضع كفره أو كفره وسيئاته في إحدى كفيته ثم يقال له: هل من طاعة تضعها في الكفة الأخرى؟ فلا يجدها؛ فيشال الميزان، فترتفع الكفة الفارغة، وتقع الكفة المشغولة، فذلك خفة ميزانه. وهذا ظاهر الآية، لأن الله تعالى وصف الميزان بالخفة لا الموزون، وإذا كان فارغا فهو خفيف.

والوجه الآخر: أن الكافر يكون منه صلة الأرحام، ومواساة الناس، وعتق المملوك، ونحوها مما لو كانت من المسلم لكانت قربة وطاعة، فمن كانت له مثل هذه الخيرات من الكفار، فإنها تجمع وتوضع في ميزانه، غير أن الكفر إذا قابلها بها رجح بها، ولم يخل من أن يكون الجانب الذي فيه الخيرات من ميزانه خفيفا، ولو لم يكن له إلا خير واحد أو حسنة واحدة لأحضرت ووزنت كما ذكرنا.

فإن قيل: لو احتسبت خيراته حتى يوزن لجوزي بها جزاء مثلها، وليس له منها جزاء، لأن رسول الله سئل عن عبد الله بن جدعان، وقيل له: «إنه كان يقري الضيف، ويصل الرحم، ويعين في النوائب» فهل ينفعه ذلك؟ فقال: «لا لأنه لم يقل يوما «ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدّين» (٢) وسأله عدي بن حاتم عن أبيه مثل ذلك، فقال: «إن أباك طلب أمرا فأدركه» - يعني الذكر (٣) - فدل أن الخيرات من


(١) انظره في «تنزيه الشريعة» لابن عراق الكناني (٢/ ٣٥٥).
(٢) أخرجه مسلم (٢١٤).
(٣) أخرجه أحمد (٤/ ٢٥٨، ٣٧٩) والطبراني في «الكبير» (١٧ /رقم ٢٢٢) بإسناد حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>