للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمين، وينطق فيها الرويبضة». قيل: يا رسول الله؛ وما الرويبضة؟ قال: «الرجل التافه ينطق في أمر العامة» (١).

وقال أبو عبيد: التافة: الرجل الخسيس، الخامل من الناس، وكذلك كل شيء خسيس فهو تافه. قال: ومما يثبت حديث الرويبضة الحديث الآخر أنه قال:

«من أشراط الساعة أن ترى رعاء الشاء رؤوس الناس، وأن ترى العراة الحفاة يتبارون في البنيان، وأن تلد الأمة ربّتها». وذكر أبو عبيد في «الغريب» له في حديث النبي :

«لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل ويخون الأمين ويؤتمن الخائن وتهلك الوعول ويظهر التحوت» قالوا: يا رسول الله؛ وما الوعول، وما التحوت؟ قال: «الوعول وجوه الناس، والتحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس، لا يعلم بهم» (٢).

وأسند أبو نعيم عن حذيفة مرفوعا: «من أشراط الساعة علوّ أهل الفسق في المساجد، وظهور أهل المنكر على أهل المعروف». فقال أعرابي: فما تأمرني يا رسول الله؟ قال: «دع وكن حلسا من أحلاس بيتك».

وفي معناه أنشدوا:

أيا دهر أعملت فينا أذاكا … ووليتنا بعد وجه قفاكا

قلبت الشرار علينا رؤوسا … وأجلست سفلتنا مستواكا

فيا دهر إن كنت عاديتنا … فها قد صنعت بنا ما كفاكا

وقال آخر:

ذهب الرجال الأكرمون ذوو الحجا … والمنكرون لكلّ أمر منكر

وبقيت في خلف يزين بعضهم … بعضا ليدفع مغرور عن معور

[فصل]

قال علماؤنا رحمة الله عليهم: ما أخبر به النبي في هذا الباب وغيره مما تقدم ويأتي قد ظهر أكثره وشاع في الناس معظمه، فوسد الأمر إلى غير أهله وصار رؤوس الناس أسافلهم عبيدهم وجهالهم، فيملكون البلاد والحكم في العباد، فيجمعون الأموال ويطيلون البنيان، كما هو مشاهد في هذه الأزمان، فلا يسمعون موعظة ولا ينزجرون عن معصية، فهم صم بكم عمي. قال قتادة: صم عن استماع الحق، بكم عن التكلم به، عمي عن الإبصار له، وهذه صفة أهل البادية والجهالة.


(١) أخرجه أحمد (٢/ ٢٩١) وغيره، وهو حديث حسن؛ انظر «الصحيحة» رقم (١٨٨٧).
(٢) أخرجه أحمد (٢/ ١٦٢)، وهو حديث صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>