للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شغفني رأي من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد الحج، ثم نخرج على الناس، فمررنا على المدينة، فإذا جابر بن عبد الله يحدّث الناس - أو القوم - إلى سارية عن رسول الله قال: وإذا هو قد ذكر الجهنميين قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله ما هذا الذي تحدثون؟ والله تعالى يقول: ﴿رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ [آل عمران: ١٩٢]. و ﴿كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها﴾ [السجدة: ٢٠]. فما هذا الذي تقولون؟ فقال: أتقرأ القرآن؟ فقلت: نعم. فقال:

فهل سمعت بمقام محمد يعني الذي يبعثه الله ﷿ فيه؟ قلت: نعم.

قال: فإنه مقام محمد الذي يخرج الله به من يخرج. وذكر الحديث (١).

وفي البخاري من حديث أنس عن النبي ، وفيه: وقد سمعته يقول: فأخرج، فأخرجهم وأدخلهم الجنة، حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن - أي: وجب عليه الخلود - قال: ثم تلا هذه الآية: ﴿عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً﴾ قال: «هو المقام المحمود الذي وعده نبيّكم » (٢).

الخامس: ما روي أن مقامه المحمود شفاعته رابع أربعة، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

[فصل]

إذا ثبت أن المقام المحمود هو أمر الشفاعة الذي يتدافعه الأنبياء ، حتى ينتهي الأمر إلى نبينا محمد فيشفع هذه الشفاعة العامة لأهل الموقف، مؤمنهم وكافرهم، ليراحوا من هول موقفهم، فاعلم أن العلماء اختلفوا في شفاعاته وكم هي، فقال النقاش: «لرسول الله ثلاث شفاعات: شفاعة العامة، وشفاعة في السبق إلى الجنة، وشفاعة في أهل الكبائر». وقال ابن عطية في «تفسيره»: «والمشهور أنهما شفاعتان فقط، العامة، وشفاعة في إخراج المذنبين من النار، وهذه الشفاعة الثانية لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء».

قال القاضي عياض: شفاعات نبينا يوم القيامة خمس شفاعات:

الأولى: العامة.

الثانية: إدخال قوم الجنة بغير حساب.

الثالثة: في قوم من أمته استوجبوا النار بذنوبهم فيشفع فيهم نبينا ، ومن


(١) أخرجه مسلم (١٩١).
(٢) أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه، منها رقم (٤٤٧٦) ومسلم (١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>