للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

إذا ثبت ما ذكرناه؛ فاعلم أن الموت هو الخطب الأفظع، والأمر الأشنع والكأس التي طعمها أكره وأبشع، وأنه الحادث الأهذم للذّات، والأقطع للراحات، والأجلب للكريهات، فإن أمرا يقطع أوصالك، ويفرق أعضاءك، ويهدم أركانك، لهو الأمر العظيم، والخطب الجسيم، وإن يومه لهو اليوم العظيم.

(ويحكى) أن الرشيد لما اشتدّ مرضه أحضر طبيبا طوسيّا فارسيّا، وأمر أن يعرض عليه ماؤه - أي بوله - مع مياه كثيرة لمرضى وأصحّاء، فجعل يستعرض القوارير حتى رأى قارورة الرشيد، فقال: قولوا لصاحب هذا الماء يوصي، فإنه قد انحلّت قواه، وتداعت بنيته، ولما استعرض باقي المياه أقيم فذهب، فيئس الرشيد من نفسه (وأنشد):

إن الطبيب بطبّه ودوائه … لا يستطيع دفاع نحب قد أتى

ما للطبيب يموت بالداء الذي … قد كان أبرأ مثله فيما مضى

مات المداوي والمداوى والذي … جلب الدواء أو باعه ومن اشترى

(وبلغه) أن الناس أرجفوا بموته، فاستدعى حمارا وأمر أن يحمل عليه فاسترخت فخذاه. فقال: أنزلوني صدق المرجفون، ودعا بأكفان فتخيّر منها ما أعجبه، وأمر فشق له قبر أمام فراشه ثم اطلع فيه فقال: ﴿ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٨، ٢٩]. فمات من ليلته.

فما ظنك - رحمك الله - بنازل ينزل بك فيذهب رونقك وبهاك ويغيّر منظرك ورؤياك، ويمحو صورتك وجمالك، ويمنع من اجتماعك واتصالك، ويردك بعد النعمة والنضرة، والسطوة والقدرة، والنخوة والعزة، إلى حالة يبادر فيها أحب الناس إليك، وأرحمهم بك، وأعطفهم عليك، فيقذفك في حفرة من الأرض قريبة أنحاؤها، مظلمة أرجاؤها، محكم عليك حجرها وصيدانها، فتحكم فيك هوامها وديدانها، ثم بعد ذلك تمكن منك الأعدام وتختلط بالرغام، وتصير ترابا توطأ بالأقدام، وربما ضرب منك إناء فخار، أو أحكم بك بناء جدار، أو طلي بك حش ماء، أو موقد نار.

كما روي عن علي بن أبي طالب أنه أتي بإناء ماء ليشرب منه فأخذه بيده ونظر إليه وقال: «الله أعلم كم فيك من عين كحيل، وخد أسيل».

(ويحكى) أن رجلين تنازعا وتخاصما في أرض، فأنطق الله ﷿ لبنة من

<<  <  ج: ص:  >  >>