للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: إن قال قائل: قد سوّى النبي بين الأشياء الثلاثة وأنه يحرمها في الآخرة، فهل يحرمها إذا دخل الجنة؟

قلنا: نعم؛ إذا لم يتب منها، لقوله : «من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة» (١). خرّجه مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي .

وكذلك لابس الحرير، ومن أكل في آنية الذهب والفضة، أو شرب فيها لاستعجاله ما أخر الله له في الآخرة، وارتكاب ما حرم الله عليه في الدنيا.

وقد روى أبو داود الطيالسي في «مسنده» قال: حدّثنا هشام، عن قتادة، عن داود السراج، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : «من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو» (٢).

وهذا نص صريح، وإسناده صحيح، فإن كان «وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه» من قول النبي فهو الغاية في البيان، وإن كان من قول الراوي على ما ذكر أنه موقوف (٣)؛ فهو أعلم بالمقال، وأقعد بالحال، ومثله لا يقال من جهة الرأي، وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان.

***

[١٨٣ - باب ما جاء في أشجار الجنة وفي ثمارها وما يشبه ثمر الجنة في الدنيا.]

(الترمذي) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : يقول الله ﷿: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»، اقرءوا إن شئتم: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة: ١٧] وفي الجنة شجرة يسير الراكب في ظلّها مائة عام ولا يقطعها، واقرءوا إن شئتم:

﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ [الواقعة: ٣٠] وموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها،


(١) أخرجه مالك في «الموطأ» (٢/ ٢٨٤) -٤٢ - كتاب الأشربة. (٤) باب تحريم الخمر، والبخاري (٥٥٧٥) ومسلم (٢٠٠٣).
(٢) أخرجه الطيالسي (٢٢١٧).
(٣) ذلك أن بعض العلماء عدّ هذه الجملة مدرجة في الحديث؛ وانظر «فتح الباري» للحافظ ابن حجر العسقلاني (١٠/ ٢٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>