وقد روي أن الله تعالى خلق الصور حين فرغ من خلق السموات والأرض، وأن عظم دارته كغلظ السماء والأرض. وفي حديث أبي هريرة:«والذي نفسي بيده إن عظم دارة فيه لكعرض السماء والأرض»، وسيأتي. وروي «أن له رأسين رأسا بالمشرق ورأسا بالمغرب» - فالله أعلم.
[فصل]
الصور: بالصاد؛ قرن ينفخ فيه النفخة الأولى للفناء، وهي نفخة الصعق، ويكون معها نقر، لقوله تعالى: ﴿فَإِذا نُقِرَ فِي النّاقُورِ﴾ [المدثر: ٨] أي: في الصور، فإذا نفخ فيه للإصعاق؛ جمع بين النقر والنفخ لتكون الصيحة أشد وأعظم. ثم يمكث الناس أربعين عاما، ثم ينزل الله ماء كمنيّ الرجال على ما تقدّم، فتكون منه الأجسام بقدرة الله تعالى، حتى يجعلهم بشرا، كما روي في قصة الذين يخرجون من النار، قد صاروا حمما، إنهم يغتسلون من نهر بباب الجنة فينبتون نبات الحبة في حميل السيل. وعن ذلك عبر في حديث أبي هريرة المتقدم في صحيح مسلم وغيره:«فينبتون نبات البقل»(١). فإذا تهيأت الأجسام، وكملت؛ نفخ في الصور نفخة البعث من غير نقر، لأن المراد إرسال الأرواح من ثقب الصور إلى أجسادها، لا تنقيرها من أجسادها، فالنفخة الأولى للتنقير، وهي نظير صوت الرعد الذي قد يقوى فيمات منه. ونظير الصيحة؛ الصيحة الشديدة التي يصيحها الرجل بصبي فيفزع منه فيموت، فإذا نفخ للبعث من غير نقر كما ذكرنا خرجت الأرواح من المجال التي هي فيه، فتأتي كل روح إلى جسدها فيحييها الله، كل ذلك في لحظة؛ كما قال تعالى: ﴿فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ﴾ [الزمر: ٦٨]، ﴿ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ [لقمان: ٢٨]. وعند أهل السنة أن تلك الأجساد الدنيوية تعاد بأعيانها وأعراضها بلا خلاف بينهم. قال بعضهم: بأوصافها. فيعاد الوصف أيضا كما يعاد الجسم واللون. قال القاضي أبو بكر بن العربي:«وذلك جائز في حكم الله وقدرته وهين عليه جمعه، ولكن لم يرد بإعادة الوصف خبر».
قلت: فيه أخبار كثيرة يأتي ذكرها في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى.
[فصل]
وليس الصور جمع صورة - كما زعم بعضهم - أي: ينفخ في صور الموتى، بدليل الأحاديث المذكورة، والتنزيل يدل على ذلك. قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ﴾