للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كعبيه، ومنهم من تأخذه النار إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه النار إلى سرته، ومنهم من تأخذه النار إلى صدره، ومنهم دون ذلك. فإذا انتقم الله ﷿ منهم على قدر كبائرهم وعتوّهم وإصرارهم، فتح بينهم وبين المشركين بابا فرأوهم في الطبق الأعلى من النار، لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا، يبكون ويقولون: يا محمداه، ارحم من أمتك الأشقياء واشفع لهم، فقد أكلت النار لحومهم ودماءهم وعظامهم، ثم ينادون: يا رباه يا سيداه، ارحم من لم يشرك بك في دار الدنيا وإن كان قد أساء وأخطأ وتعدى؛ فعندها يقول المشركون: ما أغنى عنكم إيمانكم بالله وبمحمد شيئا، فيغضب الله تعالى لذلك؛ فعندها يقول: يا جبريل انطلق فأخرج من في النار من أمة محمد، فيخرجهم ضبائر قد امتحشوا فيلقيهم على نهر على باب الجنة يقال له نهر الحياة، فيمكثون حتى يعودوا أنضر ما كانوا، ثم يأمر بإدخالهم الجنة مكتوبا على جباههم: هؤلاء الجهنميون عتقاء الرحمن من أمة محمد فيعرفون من بين أهل الجنة بذلك، فيتضرعون إلى الله ﷿ أن يمحو عنهم تلك السمة فيمحوها الله تعالى عنهم، فلا يعرفون بها بعد ذلك أبدا (١).

وذكر أبو نعيم الحافظ عن أبي عمران الجوني قال: بلغنا أنه إذا كان يوم القيامة أمر الله بكل جبّار، وكل شيطان، وكل من يخاف الناس شره في الدنيا، فيوثقون بالحديد، ثم أمر بهم إلى النار، ثم أوصدها عليهم، أي: أطبقها؛ فلا والله لا تستقر أقدامهم على قرارها أبدا، ولا والله ما ينظرون إلى أديم سماء أبدا، ولا والله لا تلتقي جفونهم على غمض نوم، ولا والله لا يذوقون فيها بارد شراب أبدا.

قال: ثم يقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة افتحوا اليوم الأبواب، فلا تخافوا شيطانا، ولا جبارا، وكلوا اليوم واشربوا بما أسلفتم في الأيام الخالية. قال أبو عمران: إذا هي والله يا إخوتاه أيامكم هذه (٢).

[فصل]

قوله: «فيرش عليهم من الماء فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل» وجاء في حديث أبي سعيد الخدري المتقدم، ثم يقال: «يا أهل الجنة أفيضوا عليهم من الماء» والمعنى واحد. والنبات معروف، وهو خروج الشيء.

والحبة بكسر الحاء: بذور البقول.

وحميل السيل: ما احتمله من طين وغثاء؛ فإذا اتفق أن يكون فيه حبة فإنها تنبت في يوم وليلة، وهي أسرع نابتة نباتا، فشبّه النبي سرعة نبات أجسادهم


(١) أخرجه أبو نعيم (٥/ ٣٧٣، ٣٧٤).
(٢) أخرجه أبو نعيم (٢/ ٣١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>