للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمناظرة والمذاكرة والمدارسة، وسائر أصناف المعاملة. فاتق الله في مظالم العباد بأخذ أموالهم والتعرض لأعراضهم وأبشارهم، وتضييق قلوبهم وإساءة الخلق في معاشرتهم، فإن ما بين العبد وبين الله خاصة المغفرة إليه أسرع. ومن اجتمعت عليه مظالم وقد تاب عنها وعسر عليه استحلال أرباب المظالم من حيث لا يطلع عليه إلا الله؛ فليكثر من الاستغفار لمن ظلمه فعساه أن يقربه ذلك إلى الله فينال به لطفه الذي ادخره لأرباب المؤمنين في دفع مظالم العباد عنهم بإرضائه إياهم، على ما يأتي بيانه في باب إرضاء الخصوم بعد هذا إن شاء الله تعالى.

[فصل]

قوله في الحديث: «فيناديهم بصوت» استدل به من قال بالحرف والصوت وأن الله يتكلم بذلك (١) - تعالى عما يقوله المجسّمون والجاحدون علوّا كبيرا - وإنما يحمل النداء المضاف إلى الله تعالى على نداء بعض الملائكة المقربين بإذن الله تعالى وأمره (٢)، ومثل ذلك سائغ في الكلام، غير مستنكر أن يقول القائل: نادى الأمير، وبلغني نداء الأمير، كما قال تعالى: ﴿وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ﴾ [الزخرف:

٥١ - ] وإنما المراد نادى المنادي عن أمره، وأصدر نداءه عن إذنه، وهو كقولهم أيضا: قتل الأمير فلانا وضرب فلانا. وليس المراد تولّيه لهذه الأفعال، وتصدّيه لهذه الأعمال، ولكن المقصود صدورها عن أمره. وقد ورد في صحيح الأحاديث أن الملائكة ينادون على رؤوس الأشهاد فيخاطبون أهل التقى والرشاد: «ألا إن فلان ابن فلان» كما تقدم.


(١) وهذا استدلال أهل السنة، والقرطبي وعفا عنه - أشعري يؤول الصفات.
والذي عليه أهل السنة والجماعة أن الله تعالى يتكلم بكلام حقيقي كما قال تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً﴾.
وأنه يتكلم بصوت وحرف، كما مرّ في حديث عبد الله بن أنيس: « … فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب … ».
وعلى هذا الأئمة من الصحابة والتابعين، تجد ذلك مفصلا في كتب الاعتقاد؛ «كخلق أفعال العباد» للبخاري، و «السنة» لابن أبي عاصم، ولعبد الله بن أحمد، وللخلال، و «التوحيد» لابن خزيمة، وانظر كتاب «السنة» في سنن أبي داود، وكتاب التوحيد من «صحيح البخاري»، وغيرها من كتب الاعتقاد.
وقد خصّ الإمام أبو نصر عبيد الله السجزي مسألة الحرف والصوت بمصنف؛ وهو: «رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت»، نشر بدار الراية سنة ١٤١٤. والله الموفق.
(٢) هذا تأويل ظاهر، وتحميل للنص ما لا يحتمل، والله المستعان.

<<  <  ج: ص:  >  >>