غاية ولا إلى أمد، مقيمين على الدوام والسرمد من غير موت ولا حياة ولا راحة ولا نجاة، بل كما قال في كتابه الكريم، وأوضح فيه عن عذاب الكافرين: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها﴾ إلى قوله ﴿مِنْ نَصِيرٍ﴾ [فاطر: ٣٦، ٣٧ وقال: ﴿كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها﴾ [النساء: ٥٦] وقال: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها﴾ [الحج: ١٩ - ٢٢] وقد تقدمت هذه المعاني كلها.
فمن قال: إنهم يخرجون منها وإن النار تبقى خالية بجملتها، خاوية على عروشها، وإنها تفنى وتزول، فهو خارج عن مقتضى المعقول، ومخالف لما جاء به الرسول، وما أجمع عليه أهل السنة والأئمة العدول. ﴿وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً﴾ [النساء: ١١٥] وإنما تخلى جهنم وهي الطبقة العليا التي فيها العصاة من أهل التوحيد، وهي التي ينبت على شفيرها فيما يقال الجرجير.
قال فضل بن صالح المعافري: كنا عند مالك بن أنس ذات يوم، فقال لنا: انصرفوا، فلما كان العشية رجعنا إليه، فقال: إنما قلت لكم انصرفوا لأنه جاءني رجل يستأذن عليّ، زعم أنه قدم من الشام في مسألة، فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول في أكل الجرجير؛ فإنه يتحدث عنه أنه ينبت على شفير جهنم؟ فقلت له: لا بأس به؛ فقال: أستودعك الله وأقرأ عليك السلام. ذكره الخطيب أبو بكر أحمد ﵀.
وذكر أبو بكر البزار، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: يأتي على النار زمان تخفق الرياح أبوابها، ليس فيها أحد - يعني من الموحدين - هكذا رواه موقوفا من قول عبد الله بن عمرو، وليس فيه ذكر النبي ﷺ، ومثله لا يقال من جهة الرأي؛ فهو مرفوع.
[فصل]
قد تقدّم أن الموت معنى، والكلام في ذلك وفي الأعمال وأنها لا تنقلب جوهرا، بل يخلق الله أشخاصا من ثواب الأعمال وكذلك الموت يخلق الله كبشا يسميه الموت، ويلقي في قلوب الفريقين أن هذا هو الموت، ويكون ذبحه دليلا على الخلود في الدارين.