أحدهما: أن يكون ذلك زيادة في الفضيحة والخزي على ما نطق به الكتاب في قوله: ﴿هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ [الجاثية: ٢٩] لأنه كان في الدنيا يجاهر بالفواحش ويخلو قلبه عندها من ذكر الله تعالى، فلا يفعل ما يفعل خائفا مشفقا، فيجزيه الله بمجاهرته بفحشه على رؤوس الأشهاد.
والوجه الآخر: أن يكون هذا فيمن قرأ كتابه ولا يعرف بما ينطق به، بل يجحد فيختم الله على فيه عند ذلك، وتنطق منه الجوارح التي لم تكن ناطقة في الدنيا فتشهد عليه سيئاته. وهذا أظهر الوجهين يدل عليه أنهم يقولون لجلودهم أي لفروجهم في قول زيد بن أسلم لم شهدتم علينا؟ فتمردوا في الجحود فاستحقوا من الله الفضح والإخزاء - نعوذ بالله منهما.
[فصل]
قوله:«وتركتك ترأس وتربع» أي: ترأس على قومك بأن تكون رئيسا عليهم ويأخذ الربع مما يحصل لهم من الغنائم والكسب، وكانت عادتهم أن أمراءهم كانوا يأخذون من الغنائم الربع ويسمونه المرباع، قال شاعرهم:
لك المرباع منها والصّفايا … وحكمك والنشيطة والفضول
وقال آخر:
منا الذي ربع الجيوش لصلبه … عشرون وهو يعد في الأحياء
يقال: ربع الجيش يربعه رباعة؛ إذا أخذ ربع الغنيمة. قال الأصمعي: ربع في الجاهلية وخمس في الإسلام.
وقوله:«اليوم أنساك كما نسيتني» أي: اليوم أتركك في العذاب كما تركت عبادتي ومعرفتي.
فإن قيل: فهل يلقى الكافر ربه ويسأله؟ قلنا: نعم بدليل ما ذكرنا. وقد قال تعالى: ﴿فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: ٦] في أحد التأويلين وقال: ﴿وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام: ٣٠] وقال: ﴿أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ﴾ [هود: ١٨] وقال: