قال: أصاب سعد بن معاذ جراحة، فجعله النبي ﷺ عند امرأة تداويه، فقال: إنه مات من الليلة، فأتاه جبريل فأخبره، «لقد مات الليلة فيكم رجل، لقد اهتز العرش لحب لقاء الله إياه» فإذا هو سعد بن معاذ، قال: فدخل رسول الله ﷺ في قبره فجعل يكبر ويهلّل ويسبّح، فلما خرج قيل له: يا رسول الله! ما رأيناك صنعت هكذا قط: قال: «إنه ضم في القبر ضمة حتى صار مثل الشعرة، فدعوت الله تعالى أن يرفه عنه، وذلك أنه كان لا يستبرئ من البول»(١).
وقال السالمي أبو محمد عبد الغالب في كتابه: وأما الأخبار في عذاب القبر فبالغة مبلغ الاستفاضة، منها قوله ﷺ في سعد بن معاذ:«لقد ضغطته الأرض ضغطة اختلفت لها ضلوعه». قال أصحاب رسول الله ﷺ ورضي عنهم: فلم ننقم من أمره شيئا، إلا أنه كان لا يستنزه في أسفاره من البول.
قلت فقوله ﷺ:«ثم فرج عنه» دليل على أنه جوزي على ذلك التقصير منه، لا أنه يعذّب بعد ذلك في قبره، هذا لا يقوله أحد إلا شاك مرتاب في فضله وفضيلته، ونصحه ونصيحته، ﵁، أترى من اهتز له عرش الرحمن، وتلقّت روحه الملائكة الكرام، فرحين بقدومها عليهم، ومستبشرين بوصولها إليهم، يعذب في قبره بعد ما فرج عنه؟ هيهات هيهات؛ لا يظن ذلك إلاّ جاهل بحقه، غبي بفضيلته وفضله، ﵁ وأرضاه، وكيف يظنّ ذلك وفضائله شهيرة، ومناقبه كثيرة؟ خرجها البخاري ومسلم وغيرهما. وهو الذي أصاب حكم الرحمن في بني قريظة من فوق سبع سماوات، أخبر بذلك رسول الله ﷺ في البخاري ومسلم وغيرهما.
[باب منه]
(البيهقي) عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ في هذه الآية: ﴿سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾ [الإسراء: ١] الآية. قال: أتي بفرس فحمل عليه، قال: كل خطوة منتهى أقصى بصره، فسار وسار معه جبريل فأتى على قوم يزرعون في يوم، ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال: يا جبريل! من هؤلاء؟ فقال: المهاجرون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف؛ ﴿وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ﴾ [سبأ: ٣٩]، ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر، كلما
(١) أخرج نحوه من حديث جابر؛ أحمد (٣/ ٣٦٠) والطبراني في «المعجم الكبير» (٦ /رقم: ٥٢٤٦) والبيهقي في «دلائل النبوة» (٤/ ٢٩ - ٣٠).