ابن دحية: ذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب، قال: وذلك كذب، قال الحربي: كان الإسراء ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول.
ثم قال: فصل لم يرد في فضله، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة: وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام الهروي الحافظ: رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذا رويناه عن غيره، ولكن اشتهر أن أهل العلم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل - وإن كان فيها ضعيف - ما لم تكن موضوعة، انتهى.
وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا، وأن لا يشتهر ذلك؛ لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف، فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة، وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد بن عبد السلام وغيره، وليحذر المرء من دخوله تحت قوله ﷺ:«من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» فكيف بمن عمل به؟! ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل، إذ لكل شرع.
ثم نرجع فنقول: إن أمثل ما ورد فيه ما رواه النسائي من حديث أسامة: «قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان»، ففيه إشعار بأن في رجب مشابهة برمضان، وأن الناس يشتغلون فيه عن العبادة بما يشتغلون به في رمضان، ويغفلون عن نظير ذلك في شعبان، ولذلك كان يصومه، وفي تخصيصه ذلك بالصوم إشعار بفضل صيام رجب، وأن ذلك كان من المعلوم المقرر لديهم، ومن ذلك ما رواه أبو داود أنه ﵊ قال لبعض أصحابه:«صم من المحرم واترك، صم من المحرم واترك، صم من المحرم واترك، فقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها»، ففي هذا الخبر - وإن كان في إسناده من لا يعرف - ما يدل على استحباب صيام بعض رجب؛ لأنه أحد الأشهر الحرم.
وأما حديث أنس عن النبي ﷺ: «من صام من كل شهر حرام الخميس