للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

﴿افعل ولا حرج﴾ (١)، ليدل على اختصاص الحج بمزيد رفع الحرج؛ لما يلحق المكلفين فيه من مشقات. وهذا من رحمة الله -سبحانه- وفضله علينا.

وهذه الآية ساقها الله تعليلا لتخفيفه عن المريض والمسافر، فقال: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّة﴾ [البقرة: ١٨٥]

فهذه العلة لها حكم بالغة.

لذلك سيأتي الكلام على إفطار من أصابه ضرر بالغ بالصوم كمن يعمل في البلدان الحارة في الصيف ولا يجد مصدرًا لرزق أسرته إلا هذا فلا يستطيع تركه ولا الإجازة منه، ويلحقه بالصيام في الشمس والحر ضرر في بدنه فهل يلحق بالمريض؟ الجواب إن بلغ حد المرض أعطي حكمه.

وسيأتي النظر فيه، إنما مقصودنا هنا كيفية انتزاع الأحكام من أصول الأحكام.

ثم ذكر في ختام الآية علة مقصدية وهي: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّة﴾ [البقرة: ١٨٥] وهي تشير إلى أن المقصود من التخفيف والتيسير رعاية الحفاظ على الشريعة. فلوا لم تشرع هذه التخفيفات لأدى إلى ترك البعض للصوم ولفات عليه مقاصد هذه العبادة على وجه الكلية لذلك شرع الله لمن له عذر من مريض وسفر ومرضع وحامل أن يقضي متى ارتفع عنه الحرج.

وأما الأدلة الكلية من السنة فمن ذلك الحديث الصحيح، عن عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ﴿رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ، أَوْ يُفِيقَ﴾. قال أَبُو بَكْرٍ فِي حَدِيثِهِ: "وَعَنْ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ" (٢).


(١) صحيح البخاري (١/ ٢٨).
(٢) سنن ابن ماجه ت الأرنؤوط (٣/ ١٩٨).

<<  <   >  >>