للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما حديث ثوبان فقد تتبعت طرقه وكلام الحفاظ عليه وخلاصة ما تبين لي أنه مضطرب سندا ومتنا قال البيهقي: "وإسناد هذا الحديث مضطرب واختلفوا فيه اختلافا شديدا، والله أعلم" (١).

أما من حيث المتن فجاء بزيادة ﴿قاء فتوضأ﴾ وهي معلة ليست محفوظة وجاء في رواية عبد الرزاق (٢) ﴿استقاء﴾ بدلا عن قاء وهي تغير الحكم بالكلية، إلا أنها شاذة خالف معمر فيها الحفاظ. وهذه الإعلالات من جهة المتن لا تضر؛ لأنها ليست محفوظة، وأما من جهة الإسناد فالخلاف حاصل بين الحفاظ، وقد حاول بعضهم الترجيح ودفع الاضطراب، ومع هذا فالتكليف بمثل هذا فيما تعم به البلوى لا يستقيم عندي.

أما من جهة الدراية، فإن ﴿قاء فأفطر﴾ محتمل هل أفطر؛ لأنه قد فسد صومه أم لأنه ضعف أم لأنه استقاء الكل محتمل، وحملها على الاستقاء أولى ليوافق حديث أبي هريرة المتقدم وحينئذ لا تعارض، كما أنها ليست من باب الإيماء والتنبيه المعروف في الأصول كما يقال: سها فسجد.

لأن هذا الأخير كان من باب الإيماء والتنبيه لورود نصوص أخرى تدل على تعلق الحكم به ولو لم يرد إلا هذا النص لبطل الاستدلال به؛ لأنه يكون حينئذ محتمل أنه سجد للسهو، أو سجد استدراكًا لما فاته من السجود حال السهو.

وعندي أن كلا الحديثين لا تقوم بهما حجة رواية، ولا يثبت الحكم إلا بالدليل الصحيح الصريح الخالي عن المعارضة، وهو غير موجود هنا.

ومن نقل الإجماع كابن المنذر على بطلان صيام المستقيء متعقب.

فقد نقل ابن بطال عن ابن عباس وابن مسعود: "لا يفطر مطلقًا". وهو


(١) السنن الكبرى - البيهقي (١/ ٢٢٤ ط العلمية)
(٢) عبد الرزاق ٧٦٨٠.

<<  <   >  >>